قلتُ: هذا التنويع والتلون -الذي شهدناه مؤخراً- في أسماء الكتب، وملاحقة الأحداث، ومسابقتها، وتطويع النصوص، وليّ أعناقها، مع التحريف والتغيير في المضمون أو الشكل إنما هو من أجل (الأكل) ليس إلا، وليس فيه نذارة أو تحذير، لا من قبيل ولا دبير، وإنما هو على نهج (الدَّاناليّ) ، وهذا خبره:
حَكَى المؤرّخون لأخبار بغداد أنه كان بها أيّام المقتدر ورّاقٌ ذكيٌّ يُعرف بـ (الدَّاناليِّ) ؛ يَبِلُّ الأوراق ويكتب فيها بخط عتيق يرمزُ فيه بحروف من أسماء أهل الدولة، ويشير بها إلى ما يعرف ميلهم إليه من أحوال الرفعة والجاه، كأنها ملاحم، ويحصل على ما يريده منهم من الدنيا، وإنه وضع في بعض دفاتره ميماً مكرَّرة ثلاث مرات، وجاء به إلى مُفلِح مولى المقتدر، فقال له: هذا كناية عنك، وهو مفلح مولى المقتدر، وذكر عنه ما يرضَاه، وينالُه من الدولة، ونَصَبَ لذلك علامات يُمَوِّهُ بها عليه، فبذل له ما أغناه به، ثم وضعه للوزير ابن القاسم بن وهب على مُفلِح هذا، وكان معزولاً، فجاءه بأوراق مثلها، وذكر اسم الوزير بمثل هذه الحروف، وبعلامات ذكرها، وأنه يلي الوزارة للثاني عشر من الخلفاء، وتستقيم الأمور على يديه، ويقهر الأعداء، وتعمر الدنيا في أيّامه، وأوقف مُفْلحاً هذا على الأوراق، وذكر فيها كوائن أخرى، وملاحم من