مكان عشر سنين أربعين سنة، وصيرها في الورقة.
قال: فوالله لولا أني رأيت العشر في تلك، والأربعين في هذه ما شككت أنّ الخطَّ ذلك الخط، وأنّ الورقة تلك الورقة.
قال أبو عبيدة: فهذا أبو بُديل لقَّن هؤلاء ما يُرضي أمير المؤمنين آنذاك، فزوّر (عشر سنين) إلى (أربعين سنة) ! وراجت الأُكذوبة بحسن تقليد الخطّ، فكان ماذا؟ حبلُ كذبٍ قصير، ظهر بعد مدة من التزوير، وشغل أصحابُه العامَّةَ بما يناسبهم من القال والقيل، وملأوا المجالس بالصراخ والنوح والعويل، كما ذكره أبو عثمان سعيد بن عمرو البَرْذَعي في «النصف الثاني من «الضعفاء والكذابين والمتروكين من رواة الحديث» (?) (2/565) ، قال:
«شهدت أبا زرعة، وأتاه أبو العباس الهسنجاني، فكلمه أنْ يَقْبَل يحيى ابن معاذ رجل كان بالري، يتكلم بكلام يشبه كلام منصور بن عمار، أو نحو ذلك، فقال: إنه يقول: أنا على مذهبك؛ فأنا رجل نواح أنوح.
فقال أبو زرعة: إنما النوح لمن يدخل بيته، ويغلق بابه، وينوح على ذنوبه؛ فأما مَن يخرج إلى أصبهان، وفارس، ويجول في الأمصار في النوح، فإنا لا نَقْبَل هذا منه، هذا من فعال المستأكلة الذين يطلبون الدراهم، والدنانير، ولم يقبله» .
فهذا هو منهج هؤلاء: أدعياء العلم والتحقيق، الحائزين على قصب السبق لما يطلبه المستمعون، لا لما يفيدهم، أو يعينهم على مواجهة الفتن بالعلم النافع، والعمل الصالح؛ فهم ينوحون، وترتفع أصواتهم، وتبحُّ حناجرهم بالويل والثبور، والنوح على ما سيقع بالمسلمين.
فهم يدّعون أنهم: ما زالوا مخلصين للإسلام، وهم في حقيقة أمرهم،