وليس هذا الأمر وليد هذا العصر، بل هو قديم! وكم من راوٍ فضح أمره بمثل هذا الاعتداء على الغيب (?) ! وكم من مُدَّعٍ -قديماً- للمهدوية! وشكى منهم ابن خلدون (?) ، وذكر توقّعات أمثال هؤلاء ممن يتكهنون ويستشرفون الغيب، وقرر قاعدة مهمة، تنطبق على ما رأينا من خوض في أحاديث الفتن بالظنون، فقال بعد نقله نحو ما ذكرنا من نماذج سابقة -فيها تخرص وتكهن-: «إلى كلام من أمثال هذا، يُعَيِّنون فيه الوقت، والرجل، والمكان، بأدلة واهية، وتحكُّمات مختلفة، فينقضي الزمانُ، ولا أثر لشيء من ذلك، فيرجعون إلى تجديد رأي آخرَ مُنْتَحل كما تراه من مفهومات لغوية، وأشياءَ تخيليّة، وأحكام نجوميّة، في هذا انقضت أعمارُ الأَوَّلِ منهم والآخر» (?) .
وهناك مظاهر عديدة تشترك في زماننا هذا مع ما ظهر قديماً من أحداث شبيهة تتنزل عليها النصوص؛ منها:
أولاً: أنها تنبؤات فردية وشخصية، تلازم أناساً معينين، لعوامل نفسية، وقد تكون مشبوهة، أو لأطماع دنيوية، تشغل عوام الناس.
وذكر ابن خلدون في مطلع «تاريخه» (1/418-420) نماذج عديدة من صنيع هؤلاء، وكُشِفوا بمضيّ الزمن، قال:
«ذكر شاذان البلخي: أنّ الملَّة تنتهي إلى ثلاث مئة وعشرين، وقد ظهر كذب هذا القول، وقال أبو مَعْشر: يظهر بعد المئة والخمسين منها اختلاف