وقوعها- ستصبح من التاريخ، وتدوّن أحداثها فيه، ولكنها قبل ذلك: هي معلومة لنا، ولا بد من وقوعها، دون معرفتنا بتحديد وقتها، مع درايتنا بأسباب نشوئها، والواجب علينا أن نجهد في درئها، وأن نتعلم أسبابها، وأن نراعي الأحكام المترتبة عليها، أو المرافقة لها.
فصل
في ضرورة تعلم أحاديث الفتن، واليقين على ما صح فيها
على المقصد الذي سيقت من أجله
فالمهم في الفتن: أنْ نعلمها، ونحسن جمعها، وتمييز صحيحها من واهيها، وأنْ نعلم سنة الله الكونية من خلال الأخبار التي فيها عصمة منها، إذ أخباره صلى الله عليه وسلم عنها لا شك فيها، والواجب علينا تصديق كل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم في هذا الباب؛ كما آمن وصدق أبو بكر -رضي الله عنه- بخبر الإسراء، عندما لم تتحمله عقول كفار قريش -الذين قاسوا قدرة الله بعقولهم-، بخلاف الصديق -رضي الله عنه-؛ فإنَّه علم صدق القائل: {وما يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى} [النجم: 3] ، وعلم أن الله لا يُعجزه شيءٌ كما أخبر عن نفسه: {وَكانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} [الأحزاب: 27] ؛ فمن علم قدرة ربه -عزَّ وجلَّ-، وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لم يضق عقله عن قبول خبره صلى الله عليه وسلم، فاحذر من تعطيل النصوص التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بما سوف يقع، كما أخبر به، من غير زيادة أو نقصان.
واعلم أنّ مِن تعطيلها: أنْ تُصرَفَ عن ظاهرها؛ لأنّ الشرع لم يأتِ بألغاز تَحَارُ فيه العقول، بل أوضح مراده بلسان عربي مبين، قال الله -تعالى-: {وَما أَرسَلنا مِن رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَومِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُم} [إبراهيم: 4] .
ولا ينبغي أنْ يدفعنا واقع عصرنا، ونمط حياتنا، والثورة العلمية التي بين ظهرانينا إلى تأويل شيء من علامات الساعة التي لم تقع؛ فمجريات الأحداث