وفي الحقيقة أنّ آفة هؤلاء: (الضلال) الذي هم فيه، وهو ناشئ عن سوء فهم، وقصور همة، ذلك أنهم محبطون بسبب ما سبق إلى خواطرهم من ظاهر النصوص التي بَلَغَتهم، ففهموها على وفق تأثير عصرهم، وتربّص عدوهم، وضعف قومهم، والنفس تحب أن تسد نقصها، وتُمنِّي صاحبها، فعاش هؤلاء على الآمال، وتبلّد حسهم بكثرة الآلام، وتعاملوا مع أحاديث الفتن بطريقة سلبية، سواء ما كان فيها من تحذير من شر، أو تبشير بخير، فهم يمارسون الشر بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عنه، وقاعدون -بل مثبطون- عن الخير، بأنه سيقع لا محالة، فالفتنة اقترنت بهم، ولازمتهم، ولم تنفك عنهم.
الفرقة الثانية: تنكّبت أحاديث الفتن، وعملت بنصوص الوحي، ولم تنتبه إلى ما يحيط بها من أمور يجب أن تراعى في أخذ الحكم الشرعي في واجب الوقت في النوازل التي تقع وستقع، فأخذت من نصوص الشرع (من آية أو حديث صحيح) ما هو (حق) ، ووضعته في غير مكانه أو محله، فلم توفق إلى (العدل) ؛ الذي لا يتم الخير إلا بمصاحبته له.
فوقائع الدنيا -بما فيها الفتن التي تموج موج البحر التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم- كما نسمعها ونقرؤها في كتب التاريخ، ثمرتها في الظاهر: غلبة أمة على أمة، وظهور الخير والشر، والنعيم والبؤس، والشرف والهبوط في المجتمعات، ولكن لهذه الوقائع أسباب، فالطمع بنتائج قبل أوانها، وربط الوقائع بغير أسبابها، ظاهرة غير صحيحة، يندرج تحتها ما وصل إليه المسلمون اليوم بعامة، وما يقوم به من لم يكن (فقيه نفس) ممن يتصدّى للحديث في (الأحداث الجسام) و (المسائل الكبار) التي تخص الأمة بأجمعها، من (الصِّغار) من أهل (الصَّغَار) و (الناشئة) و (المتطفلين) على موائد العلماء، ممن يتسمون بـ (أهل الفكر) و (المفكرين) .
وإنْ كان التاريخ حكاية أحوال البشر، وجمع الواقعات بالترتيب الزماني، من غير بيان الربط بينها، وطلب الأسباب والآثار لها، فإن الفتن -بعد