رأس، ثم إنهم قاسَوْا في الطريق من التعب والنصب والخوف والجوع والبرد ما لا يوصف، حتى ذكر أن منهم من أصبح صائماً ثلاثة أيام ولا يجد غير الماء، ومنهم من كان يأكلُ العشب والكلأ، ومنهم من مشى حافياً عارياً حتى تورمت قدماه، وغالبُهم قلعُوا دروعهم ورموها حتى أخذها العشير، وذكر أن منهم من حل سيفه ورمى به، ثم كلُّ من سمع من المماليك المتخلفة أن السلطان أخلى دمشق وطلب الديار المصرية ترك ثَقَله وخرج طالباً متوجهاً إليهم، فمنهم من أُسِر ومنهم من عُرِّي، وما عُرِّيَ أكثرهم إلا العشير من جبال صفد واللجون وقاقول وغير ذلك.
واختلفت طرقُهم؛ فمنهم من جاء من عقبة دمر، ومنهم من جاء من عكّا، ومنهم من جاء من وادي التيم، ومنهم من ركب البحر المالح من طرابلس، ومنهم من ذهب إلى ناحية حلب، ومنهم من ذهب إلى ناحية السواحل، ومنهم الأمير آقبغا الجمالي والأمير دمرداش نائب حلب، وتفرقت العساكر شَغَر بَغَر.
ولم يزل كلُّ يومٍ كان يدخل القاهرة جماعة من المماليك المسلحين بعد أخرى إلى أكثر من شهرين؛ فمنهم من جاء ماشياً وقد ورمت رجلاه، ومنهم من جاء راكباً على حمار، ومنهم من جاء على الجمال وعلى رؤوسهم الزموط الدنسة العتيقة، وعلى أكتافهم اللبابيد الدنسة المهرية، والبُسُط العُتُق، وكلٌّ من المذكُورين يذكر عن أفعال العشير أنها أنجس من أفعال تمرلنك في حق المسلمين، فإن عسكر تمرلنك -مع ما فعله قاتله الله- كانوا يشفقون على أسراهم بشيء من القُوت والكِسوة، بخلاف العَشير، ولا سيما في تلك الأيام الباردة، أيام الثلج والمطر والصقعة، مع الجوع والخوف الزائد» .
وقال في (2/87-94) تحت عنوان: (ذكر استيلاء تمرلنك على دمشق وما أفسده فيها لعنه الله) ما نصه:
«لما أخْلت العساكرُ المصريَّة مدينة دمشق في التاريخ الذي ذكرناه،