قريباً من قبَّة يلبغا الخاصكي، فنزلوا تحت جبال الكسوة مد البصر، فلما أظلم الليل أوقدوا نيراناً عظيمة، بحيث أوقعوا في قلوب الناس رعباً عظيماً.

فلما أصبحوا اصطفَّ الفريقان وتجهزوا للقتال، وكان ذلك يوم الخميس العشرين من جمادى الأولى، فقام تمرلنك وصفّف عسكره مدَّ البصر فوق سبعين صفّاً، واصطفت المصريون كذلك، وجعل الأمير نوروز الحافظي رأس الميمنة، ويشبك الدوادار رأس الميسرة، والسلطان واقف في القلب، فوقع بينهم بعضُ القتال من أطراف الطرفين، ولم يزالوا على ذلك إلى آخر النهار.

ثم وقع بين المصريين هرْج عظيم؛ لما قيل: إن بعض الأمراء الخاصكية قد هربوا من دمشق طالبين الديار المصرية، وكثر الكلامُ والقيل والقال، حتى وقع في قلوب الناس رعبٌ عظيم وخوف جسيم.

ولما كان نصف الليل -ليلة الجمعة الحادي والعشرين من جمادى الأولى- خرج السلطان وصحبته بعضُ المماليك، ويشبك الدوادار والأمير أقباي وقطلوبغا الكركي، فأخذوا طريق بعلبك، وساقوا من فوق جبل الثلج على طريق عكا، ولم يلتفتوا وراءهم، فعند ذلك وقع الجفل بين الأمراء المصريين، فلما تواترت الأخبار بذلك نهض كل منهم وساق، ولم يتخلف أحد من الأمراء الكبار والصغار إلا أربعةُ أنفس من العشرات؛ وهم: سودون البجاسي، وألطنبغا الحبشي، وآقبغا رأس نوبة، ومصطفى بن تكا.

ثم حضروا بعد أيام كثيرة ما خلا مصطفى المذكور، فإنه لحق بتمرلنك، وتخلفت غالب المماليك السلطانية هناك متفرقين، ولم يجىءْ في صحبته غير مقدار خمس مئة نفس من مماليكه ومماليك الأمراء، والجميع تركوا الخيول والهجن والجمَال والأسلحةَ والأثقال والخيام والبغال وسائر الأصناف من الذهب والفضة والدروع وغير ذلك، حتى ذكِر أنّ جملة ما خلفوه من الخيول ما يقاربُ ثلاثين ألفَ رأس، ومن البغال ما يقارب عشرين ألف رأس، ومن الجمال ما يقارب خمسين ألف رأس، ومن الهجن ما يقارب عشرة آلاف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015