(حوادث سنة ست وخمسين وست مئة) ، قال ما نصه:
«ذكرنا في سنة خمس وخمسين مسير السلطان هولاكوقان من بلاده نحو بغداد، وأنه أمر الأمير بايجو بالمسير إلى إرْبل وأن يعبر دجلة ويسير إلى بغداد من الجانب الغربي، ففعل ذلك، فلما بلغ الخليفة وصوله تقدم إلى الدُّويدار الصغير مجاهد الدين أيْبَك وجماعة من الأمراء بالتوجه إلى لقائه، فعبروا دجلةَ، فلما تجاوزوا قنطرة باب البصرة (?) بفرسخ واحد رأوا عساكر المغول قد أقبلت كالجراد المنتشر، فالتقوا واقتتلوا يوم الأربعاء تاسع المحرم، فانكسرت عساكر المغول قصداً وخديعة، فتبعهم الدُّويدار وقتل منهم عدة كثيرة وحمل رؤوسهم إلى بغداد، وما زال يتبعهم بقية نهاره، فأشار عليه الأمير فتح الدين بن كُرّ (?) بأن يثبت مكانه ولا يتبعهم، فلم يصغ إليه، فأدركه الليل وقد تجاوز نهر بشير بين دُجَيْل، فباتوا هناك.
فلما أصبحوا حَمَلت عليهم عساكر المغول وقاتلوهم قتالاً شديداً، فلم يثبت عساكر الدويدار، فانكسروا وكَرُّوا راجعين إلى بغداد، فوجدوا نهر بَشِير قد فاض من الليل وملأ الصحراء، فعجزت الخيول عن سلوكه ووحلت فيه، فلم يخلص منه إلا من كانت فرسه شديدة، وألقى معظم العسكر نفسَه في دجلة فهلك منهم خلق كثير، ودخل من نجا منهم بغداد مع الدُّويدار على أقبح صورة، وتبعهم الأمير بايجو وعسكره يقتلون فيهم، وغنموا سوادهم وكل ما كان معهم، ونزلوا بالجانب الغربي، وقد خلا من أهله، فشرعوا بالرمي بالنشاب إلى الجانب الشرقي، فكانت السِّهام تصل إلى الآدُر الشَّطَّانية، وكان الخليفة جالساً في رواقه وبين يديه صغيرة من مولّدات العرب تسمى «عَرَفة» ،