وقال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوم حَتى يُغَيِّرُوا ما بِأَنفُسِهم وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بقوم سُوءاً فلا مَرَدَّ له وما لَهُم مِن دُونه مِن وَال} [الرعد: 11] .
وأحاطت التتارُ بدار الخلافة يرشقونها بالنُّشَّاب من كل جانب، حتى أصيبت جاريةٌ كانت تلعب بين يدي الخليفة وتُضحكه، وكانت من جملة الحظايا، وكانت مُوَلَّدةً تُسمى عرفةَ، جاءها سهمٌ من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة، فانزعج الخليفةُ من ذلك، وفزع فزعاً شديداً، وأحضر السهمَ الذي أصابها بين يديه، فإذا عليه مكتوب: إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدرِه سلبَ ذوي العقول عقولَهم.
فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز، وكثرةِ الستائر على دار الخلافة، وكان قدوم هولاكوقان بجنوده كلِّها -وكانوا نحواً من مئتي ألف مقاتل- إلى بغداد في ثاني عَشَرَ المُحَرَّمِ من هذه السنة، وهو شديدُ الحَنَق على الخليفة بسبب ما كان تقدم من الأمر الذي قدّره الله وقضاه وأنفذه وأمضاه، وهو أن هولاكوقان لما كانَ أولُ بروزِه من هَمَذان متوجهاً إلى العراق أشار الوزير مُؤَيِّدُ الدِّين محمد بنُ العَلقمي على الخليفة بأن يبعث إليه بهدايا سَنِية؛ ليكون ذلك مداراةً عما يريده من قصد بلادهم، فخذَّل الخليفة عن ذلك دُوَيْدارُه (?)
الصغيرُ أَيْبَك وغيرُه، وقالوا: إن الوزير إنما يريد بهذا مصانعة ملك التتار بما يبعثه إليه من الأموال، وأشاروا بأن يبعث إليه بشيء يسير، فأرسل شيئاً من الهدايا، فاحتقرها هولاكوقان، وأرسل إلى الخليفة يطلب منه دُوَيْدارَه المذكورَ، وسليمان شاه، فلم يبعثهما إليه، ولا بالى به حتى أزِف قدومُه،