وكيف ترى ذلك كائناً يا أبا هريرة؟ قال: إي؛ والذي نفس أبي هريرة بيده عن قول الصادق المصدوق. قالوا: عم ذلك؟ قال: تنتهك ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيشد الله -عزّ وجل- قلوب أهل الذمة، فيمنعون ما في أيديهم (?) .
والذي يظهر لي في معنى قوله: «منعت العراق درهمها ... » الحديث: أن ذلك إشارةٌ إلى ما صار إليه الأمر في زماننا وقبله بأزمان، من استيلاء الأعاجم من الإفرنج وغيرهم على هذه الأمصار المذكورة في حديث أبي هريرة ... -رضي الله عنه-، وانعكاسِ الأمور بسبب ذلك، حتى صار أهلُ الذمّةِ أقوى من المسلمين وأعظمَ شوكةً، فامتنعوا من أحكام الإسلام التي كانت تجري عليهم من قبل، وانتفض حكم الخراج وغيره، ثم زاد الأمر شدة، فوُضِعَتْ قوانينُ أعداءِ الله ونظمُهم مكانَ الأحكام الشرعية، وأَلزَموا بها مَن تحتَ أيديهم من المسلمين، والذين انفلتوا من أيدي المتغلبين عليهم ما زالوا على ما عهدوه من تحكيم القوانين وسنن أعداء الله -تعالى-، والتخلق بأخلاقهم الرذيلة، بل على شرٍّ مما عهدوه؛ كما لا يخفى على من له أدنى علم ومعرفة» انتهى.
وأخيراً؛ فإن كثيراً من المحدثين في تخريجاتهم عَدُّوا (قول جابر) ... -الذي له حكم الرفع (?) ، وفيه بيان المانعين- شاهداً لحديث أبي هريرة المرفوع الذي نحن بصدده، وهذا يدل على الصلة الوثيقة بينهما، وهو يلتقي مع كلام الشُّرّاح السابق، وهذا ما صنعه ابنُ كثير (?) ، وابنُ حجر (?) ، وأظهره