«أتقرأ القرآن؟» قال يزيد: نعم. قال: فهل سمعت بمقام محمد -عليه السلام-يعني: الذي يبعثه الله فيه-؟ قال يزيد: نعم. قال: فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم المحمود الذي يُخرِجُ الله به من يُخرج؟
ثم نعت (أي: جابر) وضع الصراط، ومر الناس عليه ... و «أن قوماً يخرجون من النار، بعد أن يكونوا فيها» .
قال يزيد على إثر هذا الحديث، وقد نفعه الله به، وفهم الآيات السابقة التي احتج بها على ضوئه، ومعه، دون منافرة بين النصوص، ولا تضارب ولا تعارض، قال: «فرجعنا -أي: إلى الكوفة-، قلنا: وَيْحكم! أترون الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟» . فنفعه الله -عز وجل- باعتقاد صدق علماء الصحابة، وهذا أول شرط للانتفاع بالعلماء الربانيين عموماً، وفي وقت الفتن خصوصاً.
قال يزيد -كما في «صحيح مسلم» -أيضاً-: «فرجعنا، فلا والله ما خرج منا -أي: للثورة المسلحة- غيرُ رجل واحد» .
فالنفع لهؤلاء لا يكون إلا بمحاجة العلماء، وإزالة الشبه، ولا سبيل إلى إصلاحهم إلا بذلك، والعنف معهم يزيد من قوتهم وعنادهم، ويلهب نارهم، ويُبعدهم عن الجادة على وجه أظهر، وبمسافة أبعد.
ومع وجود الحماسات، والعواطف العاصفات، ودندنة الخطباء الحماسيين بضرورة إقامةِ (الجماعةِ المسلمةِ) ، مهمَّتَها التي وُجِدَت من أجلها، وهي حمل لواء الحق، ووجوب الجهاد ضد السلطات التي تمنع ذلك، وإيراد النصوص من الكتاب والسنة التي في ظاهرها تكفير هؤلاء، والاعتماد على فتاوى (المهابيل) وتقريرات أنصاف المتعلمين، وتوظيف نقولات الأقدمين من العلماء بغير إنصاف، وغالباً ما يكون ذلك بعد التورط في أعمال العنف أو التلبس بمقدماته؛ لتسويغ أحداث عنف، قد اندلعت على وجه عفوي، وأحياناً بطرق مجهولة، قد تكون من عمل جهات مغرضة، فتشعل نيران الحمية،