الفصل الأول
الأدلة منا لقرآن الكريم على فهم حقيقة الإسلام
الآية الأولى: قال الله -تعالى- في سورة التوبة آية [5]: (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ).
قال القرطبي: (فَإِن تَابُواْ). أي: من الشرك، (وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ). هذه الآية فيها تأمُّل وذلك أن الله -تعالى- علق القتل على الشرك، ثم قال: (فَإِن تَابُواْ) والأصل أن القتل متى كان للشرك يزول بزواله، وذلك يقتضي زوال القتل بمجرد التوبة، من غير اعتبار إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ولذلك سقط القتل بمجرد التوبة قبل وقت الصلاة والزكاة وهذا بيّن في هذا المعنى. غير أن الله -تعالى- ذكر التوبة وذكر معها شرطين آخرين فلا سبيل إلى إلغائهما نظيره قوله صلى الله عليه وسلم: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" ... وقال ابن العربي فانتظم القرآن والسنة واطردا. اهـ.
انظر -رحمني الله وإياك- إلى كلام الإمام القرطبي: أن التوبة تكون: من الشرك. وأن القتل لا يسقط إلا بالانتهاء عنه، وقول الإمام ابن العربي: أن الآية والحديث قد انتظم واتحد معناهما. فينص القرآن أن الانتهاء عن القتل والأسر وتخلية سبيل المشركين شرطه: التوبة من الشرك، وأن الآية والحديث: "أمرت أن أقاتل الناس". معناهما واحد.
وقال الإمام البغوي فيها: (فَإِن تَابُواْ). من الشرك، (وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ). يقول: دعوهم فليتصرفوا في أمصارهم ويدخلوا مكة اهـ.
وقال ابن كثير: (وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ). أي لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم، بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم والرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع وتضطروهم إلى القتل، أو الإسلام. ولهذا قال: (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ). ولهذا اعتمد الصديق -رضي الله عنه- في قتال مانعي الزكاة على هذه الآية الكريمة، وأمثالها حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الأفعال وهي: الدخول في