فهذا نص ابن تيمية صريح في أن العبد الذي يتمتع برخص أهل القبلة هو من صح إيمانه وأن العفو يكون في الأمور التي لا تناقض الإيمان. أما الكافر والمشرك ومن فسد إيمانه من أهل القبلة فهؤلاء لم يتناولهم لفظ الحديث وبهذا التأويل تأتلف الأدلة الشرعية وبهذا انتهى الاستدلال من الكتاب.
أما الاستدلال من السنة.
الحديث الأول: حديث الخوارج: ويراجع بحثهم في هذا الكتاب ووجه الدلالة منه أنهم أحدثوا اعتقاداً ظنوا به أنهم صفوة الله من خلقه، وأنهم المقبولون به عند بارئهم، دون غيرهم بل كفّروا وكل من خالف معتقدهم وكانوا على عبادة عظيمة. ومع ذلك فقد اتفقت الأمة على ذمهم وتضليلهم واختلفوا في تكفيرهم هذا مع قول النبي، صلى الله عليه وسلم، في شأنهم: "يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم". فمع تأويلهم وجهلهم اتفقت الأمة على إثمهم ولم يعذروهم برخصة الخطأ.
وأعيد في هذا المقام قول إمام المفسرين الإمام الطبري فيهم: ومن المعلوم أنهم لم يرتكبوا استحلال دماء المسلمين وأموالهم إلا بخطأ منهم فيما تأولوه من آي القرآن على غير المراد منه (?) اهـ.
فهذا الحديث نص في أن رخصة الخطأ ليست على عمومها فتثبت لها التخصيص.
وهذا إما أن يكون في الفروع أو في أصول الاعتقاد أو في أصل الدين الذي هو: التوحيد وترك الشرك فإن كان التخصيص للفروع فهو أيضاً للأصول الاعتقادية ومن باب أولى لأصل الدين-.
وإن ثبت للأصول الاعتقادية فهو من باب أولى يثبت لأصل الدين.
وإما أن يكون لأصل الدين وإن ثبت أن التخصيص له فلا يلزم من ذلك أن يكون للأصول الاعتقادية فضلاً عن فروع الشريعة ففي جميع الاحتمالات ثبت التخصيص لعموم رخصة الخطأ: للتوحيد وترك الشرك الذي هو: أصل الدين.
الحديث الثاني: أخرج البخاري في صحيحه " ... وأما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول لا أدري كنت أقول ما يقوله الناس ... ".