وهذا لأن عمومات تحريم الشرك وعدم غفرانه هذه العمومات المكية المحفوظة تخصص جميع الرخص لأهل القبلة لأنهم ما استحقوا هذا الوصف إلا بتحقيق التوحيد وخلع عبادة وتأله كل ما يعبد من دون الله.
قال الطبري إمام المفسرين في قوله تعالى: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا).
وهذا تعليم من الله -عز وجل- عباده المؤمنين دعاءه كيف يدعونه وما يقولون في دعائهم إياه. ومعناه: قولوا ربنا لا تؤاخذنا إن نسيناً شيئاً فرضت علينا عمله فلم نعمله أو أخطأنا في فعل شيء نهيتنا عن فعله ففعلناه على غير قصد منا إلى معصيتك ولكن على جهالة منا به وخطأ.
وساق بسنده عن ابن زيد في قوله تعالى: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا). إن نسينا شيئاً مما افترضته علينا أو أخطأنا شيئاً مما حرمته علينا ....
فأما الذي يكون من العبد على وجه التضييع منه والتفريط فهو ترك منه لما أمر بفعله.
فذلك الذي يرغب العبد إلى الله -عز وجل- في تركه مؤاخذته به وهو النسيان الذي عاقب الله -عز وجل- به آدم، صلى الله عليه وسلم، فأخرجه من الجنة فقال في ذلك (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) وهو النسيان الذي قال جل ثناؤه: (فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا).
رخصة الخطأ فيما دون الكفر:
فرغبة العبد إلى الله -عز وجل- بقوله: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فيما كان من نسيان منه لما أمر بفعله على هذا الوجه الذي وصفنا ما لم يكن تركه ما ترك من ذلك تفريطاً منه فيه وتضييعاً كفراً بالله -عز وجل- فإن ذلك إذا كان كفراً بالله، فإن الرغبة إلى الله في تركه المؤاخذة به غير جائزة، لأن الله -عز وجل- قد أخبر عباده أنه لا يغفر لهم الشرك به، فمسئلته فعل ما قد أعلمهم أنه لا يفعله خطأ. وإنما تكون مسألته المغفرة فيما كان من مثل: نسيانه القرآن بعد حفظه بتشاغله عنه وعن قراءته ومثل نسيانه صلاة أو صياماً ....
وكذلك الخطأ وجهان: أحدهما: من وجه ما نهى عنه العبد فيأتيه بقصد منه وإرادة فذلك خطأ منه وهو به مأخوذ ... وهذا الوجه الذي يرغب العبد إلى ربه في صفح ما كان منه من إثم عنه إلا ما كان من ذلك كفراً. ا. هـ.