وقال أيضاً: (.. وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ..) فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم: إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل كنا نخوض ونلعب، وبين أن الاستهزاء بآيات الله كفر. ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدره بهذا الكلام ولو كان الإيمان في قلبه منعه من أن يتكلم بهذا الكلام (?). ا. هـ.
قلت: انظر -رحمك الله- إلى هذا النص القرآني القطعي الدلالة على كفر هذه الطائفة ومن المعلوم بالاضطرار من النصوص أن هذا الحكم عام في كل من اقترف ما فعلوه أو ما هو من جنسه وليس بمقصور على هؤلاء. لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وهذا باتفاق المفسرين، وإلا -والعياذ بالله من ذلك- انتفت حجية القرآن لأنه ما من آية من آي القرآن هذا في جله ومعظمه إلا ولها سب اقتضى نزولها فلو قصر حكمها على سببها لم تبق آيات يلزمنا حكمها.
وقد اتفق المفسرون عند تأويل هذه الآية على أنهم كفروا بعد إيمانهم بهذا المقال الخبيث الذي قالوه، واختلفوا هل الإيمان السابق هو الإيمان باللسان دون القلب أم بالقلب واللسان جميعاً؟ وعلى الاحتمالين يتم الاستدلال -بفضل الله وحده-.
فعلى القول الأول: أن القوم كانت تجري عليهم أحكام الإسلام بالنطق بالكلمة العاصمة مع افتراض وجود الإيمان في الباطن بهذه الكلمة من الانقياد والمحبة والتوقير لله ولدينه ولرسوله لأنه كما ذكرت سابقاً أنه لا إيمان لمن لا إسلام له ولا إسلام لمن لا إيمان له. وبهذا النطق جرت عليهم أحكام الإسلام حتى قالوا: هذه المقالة الخبيثة، فبها ولأجلها جرت عليهم أحكام الكفر، وانتقلوا من الإيمان في الظاهر إلى الكفر في الظاهر والباطن بيقين لأنهم قالوها اختياراً ولم يكرهوا عليها فعلم بهذا انشراح الصدر بها في الباطن لقوله تعالى: (مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً). الآية ولو كان الإيمان في قلوبهم لمنعهم من التكلم بهذا.
ومن ظن أن هذا حكم خاص بأعيان المنافقين أي: قد علمنا نفاقهم بهذا السب ولم يكفروا به وبالتالي فهذه الدلالة ليست مؤثرة ولا مطردة في الكفر.