به الحقُّ والباطلُ في داخلِه كأنه النورُ وسطَ الزجاجةِ، والزجاجةُ إذا تَلَطَّختْ بالأوساخِ انْكَسَفَ النورُ دَاخِلَهَا، وإذا كانت صقيلةً نظيفةً شَعَّ النورُ.

أَمَا تَرَى الذُّبَالَ فِي الْمِصْبَاحِ ... إِذَا صَفَا يُرْضِيكَ فِي اسْتِصْبَاحِ ...

وَإِنْ يَكُنْ بِوَسَخٍ مُلَطَّخًا ... كُسِفَ نُورُهُ لِذَلِكَ الطَّخَا (?)

فإذا أَذْنَبَ العبدُ ذَنْبًا صارت وساخةٌ سوداءُ على قَلْبِهِ، فإذا بَادَرَ إلى الإنابةِ والتوبةِ غَسَلَهَا، فَبَقِيَ القلبُ صَقِيلاً نَظِيفًا، فَشَعَّ نورُ الإيمانِ فيه، كالنورِ في الزجاجةِ الصقيلةِ، فإذا كان المسكينُ مُغَفَّلاً جَاهِلاً، وزادَ في الذنوبِ لم يَزَلْ يزيدُ في الذنوبِ، والسوادُ يَزْدَادُ حتى يعلوَ جميعَ القلبِ، فيسودُّ جميعُه، فيبقَى النورُ لاَ أثرَ له، وعلامةُ هذا من طمسِ البصائرِ - والعياذُ بالله - أن تَرَى مَنْ وَقَعَ به هذا الاسودادُ القلبيُّ، والرانُ المستولِي على قلبِه تراه يرتكبُ فظائعَ الذنوبِ وهو يضحكُ فِي فرحٍ وَلَهْوٍ؛ لأَنَّ البصيرةَ والنورَ الذي يرى به شدةَ ضررِ هذا انْطَمَسَ، فَلاَ يَرَى ضَرَرًا، وتراه تفوتُه الصلواتُ والرغائبُ العظامُ في الدِّينِ وهو فَرِحٌ مَسْرُورٌ!! لاَ يرى هذا الحقَّ حَقًّا، ولا هذا الباطلَ بَاطِلاً؛ لأن البصيرةَ التي يرى بها الحقَّ حقًّا والباطلَ باطلاً، والنافعَ نافعًا والضارَّ ضارًّا، إذا اسودت القلوبُ انطمسَ نورُها، فلا يُبْصِرُ بها شَيْئًا، فكما أن الكفار بَادَرُوا إلى تكذيبِ الأنبياءِ، وكانوا قبلَ ذلك قد يكونونَ على فطرةٍ، وقد يكونونَ معذورين اسْوَدَّتْ قلوبُهم فَطَبَعَ اللَّهُ عليها، وختمَ عليها، وَقَلَبَهَا عن الحقِّ - والعياذُ باللَّهِ -،كما قال جل وعلا: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015