[عدمِ] (?) سَدِّهِ، وَهُمَا طَرَفَانِ وواسطةٌ، طرفٌ من الذرائعِ يجبُ سَدُّهُ إِجْمَاعًا، مَثَّلْنَا له بِسَبِّ الأصنامِ إن كان عَبَدَتُهَا يَسُبُّونَ اللَّهَ، وكحفرِ الآبارِ في طرقِ المسلمينَ، وإلقاءِ السمِّ في مشاربِهم وَمَآكِلِهِمْ. هذا النوعُ يجبُ سَدُّهُ إجماعًا، ونوعٌ لا يجبُ سَدُّهُ إجماعًا، كما مَثَّلْنَا له بغرسِ شجرِ العنبِ، وَمُسَاكَنَةِ الرجالِ والنساءِ في البلدِ الواحدِ. وواسطة هي مَحَلُّ الخلافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.
ومثالُ هذه الواسطةِ التي هي مَحَلُّ الخلافِ بينَ العلماءِ: البيوعُ المعروفةُ بالفقهِ المالكيِّ ببيوعِ الآجالِ التي يُسَمِّيهَا الحنابلةُ والشافعيةُ: بيوعِ الْعِينَةِ، فهذه ذريعةٌ لِمُحَرَّمٍ، والعلماءُ مُخْتَلِفُونَ فيها، كما لو بَاعَ إِنْسَانٌ سلعةً إلى أَجَلٍ معينٍ بعشرةِ دراهمَ مثلاً، ثم اشْتَرَاهَا بثمنٍ أكثرَ لأبعدَ من الأولِ، أو بثمنٍ أقلَّ من الثمنِ الأولِ بدونِ الأَجَلِ، فإن ظاهرَ هاتين الْبَيْعَتَيْنِ أن كلاًّ منهما بيعةٌ لسلعةٍ بثمنٍ إلى أَجَلٍ، وهي في ظاهرِها جائزةٌ، إلا أنها يمكنُ أن تكونَ ذريعةً إلى رِبًا مُحَرَّمٍ؛ لأن السلعةَ الخارجةَ من اليدِ، العائدةَ إليها مُلْغَاةٌ، فَيَؤُولُ الأمرُ إلى أنه أخذَ أولاً خمسةَ دراهمَ، ثم أَخَذَ عنها في الأجلِ الثاني عشرةَ دراهمَ، وأَخْذُ عشرةٍ مؤجلةٍ بدلَ خمسةٍ هُوَ رِبَا الجاهليةِ بِعَيْنِهِ.
فهذه الذريعةُ الْوُسْطَى ذَهَبَتْ جماعةٌ من العلماءِ إلى وجوبِ سَدِّهَا، وهو مذهبُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وأصحابِه، وهو مذهبُ الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ وأصحابِه، وهو مذهبُ أُمِّ المؤمنينَ عائشةَ (رَضِيَ اللَّهُ عنها).