ونُحَرِّمَ حرامَه، ونعتقدَ عقائدَه، وَنَنْزَجِرَ [بوعيده]، وننبسطَ [لِوَعْدِهِ] (?)، وَنَتَأَسَّى بأمثالِه، إلى غيرِ ذلك من العملِ به.
وَاعْلَمُوا أن هذا القرآنَ العظيمَ هو أعظمُ نعمةٍ أَعْطَاهَا اللَّهُ لهذا الخلقِ الذي أَنْزَلَهُ عليه، وقد بَيَّنَ (جل وعلا) أن إيراثَ هذا القرآنِ العظيم هو العلامةُ الوحيدةُ في الاصطفاءِ، فَاللَّهُ لا يُورِثُ هذا الكتابَ إلا مَنْ اصْطَفَاهُ من خَلْقِهِ، حيث قال تعالى بعد أن نوَّه بالقرآنِ والعملِ به: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا} إلى أن قال: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّنْ تَبُورَ (29)} ثم قال: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} فَبَيَّنَ أن إيراثَ هذا الكتابِ علامةٌ للاصطفاءِ؛ ولذا قال: {أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} والجمهورُ من العلماءِ على أن الذينَ أُورِثُوا الكتابَ الذين اصْطَفَاهُمُ اللَّهُ بإيراثِ هذا الكتابِ لاَ يَخْتَصُّونَ بحَمَلَةِ القرآنِ الذين يَحْفَظُونَهُ، بل يشملُ جميعَ الأمةِ الذين يعملونَ به، فَيُحِلُّونَ حَلاَلَهُ، وَيُحَرِّمُونَ حَرَامَهُ، ويعتقدونَ عقائدَه إلى غيرِ ذلك، وإن لم يكونوا يَحْفَظُونَهُ (?)، وسواء وَقَعَ منهم تقصيرٌ؛ لأَنَّ اللَّهَ لَمَّا بَيَّنَ إيراثَه للكتابِ، وأن إيراثَه الكتابَ علامةُ الاصطفاءِ، قَسَّمَ هذه الأمةَ التي أَوْرَثَهَا هذا الكتابَ إلى ثلاثةِ أقسامٍ، قال: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} ثم نَوَّهَ بالقرآنِ العظيمِ فقال: {ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)} أي: {ذَلِكَ} إِيرَاثُنَا الكتابَ إياهم عن نَبِيِّهِمْ {هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)} مِنَ اللَّهِ عليهم.
فَصَرَّحَتِ الآيةُ بِأَنَّ إنزالَ القرآنِ وإيراثَنا إياه أعظمُ فضلٍ وأكبرُه علينا؛ وَلِذَا عَلَّمَنَا اللَّهُ أن نحمدَه على هذه النعمةِ الكبرى