{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: آية 44] فقوله: {هُدًى وَشِفَاءٌ} كقولِه: {وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}، وقوله: {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} [الأنعام: آية 105] كقولِه: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت: آية 44] وكقولِه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: آية 82] أي: {وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105)} لهم عقولٌ وَعِلْمٌ يُظْهِرُ لهم ما ضَمَّنَّا في هذا القرآنِ من تَصْرِيفِنَا الآياتِ من غرائبِنا وعجائبِنا وبصائرِنا، أي: أَدِلَّتِنَا القاطعةِ الواضحةِ التي لا تَتْرُكُ في الحقِّ لَبْسًا. وهذا معنَى قولِه: {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105)}.
{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (107)} [الأنعام: الآيتان 106، 107].
{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} لَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ (جل وعلا) أنه أنزلَ علينا على لسانِ نَبِيِّنَا بصائرَ حيث قال: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ} والمعنَى: جاءتكم مِنْ قِبَلِنَا على لسانِ نبينا بصائرُ، أي: حُجَجٌ قاطعاتٌ، وأدلةٌ واضحاتٌ، لا تتركُ فِي الْحَقِّ لَبْسًا. فهذه البصائرُ التي جَاءَتْكُمْ يلزمُكم اتِّبَاعُهَا، وعدمُ الْمَيْلِ والحَيْدةِ عنها؛ ولذا أَتَّبِعُ قولَه: {قَدْ جَاءكُم بَصَائِرُ} [الأنعام: آية 104] بقولِه: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [الأنعام: آية 106] وهو تلكَ البصائرُ والبيناتُ والحُجَجُ القاطعاتُ التي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عليكَ، وهذه البصائرُ: هي هذا القرآنُ العظيمُ، وهو المأمورُ بِاتِّبَاعِهِ في قولِه: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [الأنعام: آية 106] وهذا القرآنُ العظيمُ يجبُ علينا جَمِيعًا أن نَتَّبِعَهُ، ونتأدبَ بآدابِه، ونتخلقَ بما فيه من مكارمِ الأخلاقِ، وَنُحِلَّ حلالَه،