{فَلِنَفْسِهِ} أي: فَقَدْ أَبْصَرَ لنفسِه؛ لأن فائدةَ ذلك الإبصارِ راجعةٌ عليه في الدنيا والآخرةِ {وَمَنْ عَمِيَ} أي: عَمِيَ قَلْبُهُ، ولم يَفْهَمْ عن الله - والعياذُ بالله - فلم يَفْهَمْ عَنِ اللَّهِ آياتِه، ولم يَفْهَمْ هذه البصائرَ والحُججَ والأدلةَ القاطعةَ، لَمْ يَفْهَمْهَا ولكن عَمِيَ قلبُه عنها - والعياذُ بالله - فَعَلَى نفسِه، فَعَمَاهُ على نفسِه، نفسه عَمِيَ عَلَيْهَا، وَإياها أَضَرُّ.
وهذه الآياتُ تدلُّ الإنسانَ على أنه إن أَبْصَرَ عن اللَّهِ فإنما ينفعُ نفسَه، وإن عَمِيَ عن الحقِّ فإنما يضرُّ نفسَه - والعياذُ بالله - فعلى المسلمِ أن يجتهدَ فيما يبصرُ به من إخلاصِ النيةِ وطاعةِ اللَّهِ (جل وعلا).
وهذا معنَى قولِه: {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} وهذا الكلامُ كَأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أن يقولَه، ولذا قال في آخرِه: {وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (104)} الحفيظُ: (فَعِيْل) بمعنَى (فَاعِل) أي: بحافظٍ عليكم أعمالَكم (?)، أُوَفِّقُكُمْ إلى خيرٍ، وأوفقكم لتركِ الشرِّ، وإلى فعلِ الخيرِ، وأحسبُ أعمالَكم، وأضبطُها عليكم، لا، وكَلاَّ، ليس مِنْ شَأْنِي حفظُ أعمالِكم وتوفيقِكم، ولا إحصاءُ أعمالِكم عليكم، ولا مجازاتكم عليها، إنما أنا رسولٌ مُبلِّغٌ، إنما عليَّ البلاغُ، وقد بلَّغْتُ، وحِفْظُ أعمالِكم وتوفيقكم إلى الخيرِ والشرِّ ومجازاتُكم على ذلك كُلِّهِ بيدِ اللَّهِ وحدَه، كما قال جل وعلا: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40)} [الرعد: آية 40] {فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ} أي: وهو التبليغُ {وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ} [النور: آية 54] أي: وهو الطاعةُ.