وآياتهِ الباهرةِ الدالةِ على أنه رَبُّ كُلِّ شيءٍ، وأنه المعبودُ وَحْدَهُ.

{فَمَنْ أَبْصَرَ} أي: بعينِ قَلْبِهِ؛ لأَنَّ الإِبْصَارَ إنما هو بالبصيرةِ، وهو المعنَى الثاني للبصيرةِ، وهو الاستبصارُ والعلمُ بالقلبِ بحقائقِ الأشياءِ {فَمَنْ أَبْصَرَ} يعني: ببصيرةِ قَلْبِهِ، لأَنَّ الإبصارَ النافعَ هو الإبصارُ ببصيرةِ القلبِ كما يأتي في قولِه: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} [الحج: آية 46].

وَمَنْ أَرَادَ أن يقرب عنده معنَى هذه الآيةِ الكريمةِ: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} فَلْيَنْظُرْ إلى رَجُلَيْنِ في وسطِ الشارعِ، أحدُهما صحيحُ العينين، تَامُّ البصرِ جِدًّا، إلا أنه مفقودُ العقلِ بَتَاتًا. والثاني أَعْمَى، مكفوفٌ لاَ يُبْصِرُ شيئًا، إلا أنه كاملُ العقلِ تَامُّهُ. فتجدُ صحيحَ العينين قويُّ النظرِ حديدُه، الذي يَفْقِدُ العقلَ يضربُ رأسَه في الجدارِ، ويسقطُ في البئرِ، ويسقطُ في النارِ، ويسقطُ على الْحَيَّةِ، فهو لا يَرَى شيئًا، وبصرُه الحديدُ لا ينتفعُ به، وتجدُ ذلك الأَعْمَى وعصاه أمامَه، يروغُ من هنا ومن هنا، كأنه يرى كُلَّ ما يَضُرُّهُ وما ينفعُه، بهذا تَعْلَمُوا مَدَى قولِه: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} (?).

إِذَا أَبْصَرَ الْقَلْبُ الْمُرُوءَةَ وَالتُّقَى ... فَإِنَّ عَمَى الْعَيْنَيْنِ لَيْسَ يَضِيرُ (?)

ومعنَى قولِه: {فَمَنْ أَبْصَرَ} أي: ببصيرةِ قلبِه وَأَدْرَكَ عظمةَ اللَّهِ، وَفَهِمَ عن اللَّهِ آياتِه التي جاءت بها رسلُه فَآمَنَ بِاللَّهِ، وَصَدَّقَ رُسُلَهُ، وامتثلَ أمرَ اللَّهِ، وَاجْتَنَبَ نَهْيَهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015