ذلك؛ وَلِذَا قال: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} وجميعُ الكائناتِ خَلْقُهُ، فلا يمكنُ أن يكونَ شيءٌ مِنْ خَلْقِهِ ولدًا له بحالٍ؛ لأن الولدَ كالجزءِ من الوالدِ، والخلقُ صنعُ الوالدِ، والجزءُ والصنعةُ مُتَبَايِنَانِ لاَ يمكنُ أن يجتمعا في شيءٍ؛ ولذا قال جل وعلا: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ} - جل وعلا - {بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)} لاَ تَخْفَى عليه خافيةٌ، فهو (جل وعلا) يعلمُ كُلَّ شيءٍ، ويعلمُ غيرَ الشيءِ، لأَنَّ (الشيء) عندَ أهلِ السنةِ والجماعةِ لا يُطْلَقُ إلا على الموجودِ، واللَّهُ يعلمُ الموجودَ الذي هو شَيْءٌ، ويعلمُ المعدومَ الذي هو ليس بشيءٍ، فهو عَالِمٌ بالموجوداتِ والمعدوماتِ والجائزاتِ والمستحيلاتِ حتى إنه من إحاطةِ عِلْمِهِ لَيَعْلَمُ المعدومَ الذي سَبَقَ في علمِه أنه لاَ يوجدُ، يعلمُ أن لو كان كيف يكونُ؟ كما قد بَيَّنَّا نَصَّهُ تعالى على ذلك في هذه السورةِ - سورةِ الأنعامِ - فَقَدْ بَيَّنَّاهُ مُفَسَّرًا في قولِه: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: آية 28] (1) لأَنَّ الكفارَ إذا عَايَنُوا النارَ نَدِمُوا على تكذيبِ الرسلِ، وَتَمَنُّوا الردَّ للدنيا مرةً أخرى لِيُصَدِّقُوا الرسلَ.
وَلِذَا قالوا: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام: آية 27] على إحدى القراءاتِ (2)، والله (جل وعلا) عَالِمٌ أن هذا الردَّ الذي تَمَنَّوْهُ عَالِمٌ أنه لا يكونُ، وقد صَرَّحَ (جل وعلا) أنه عَالِمٌ أن لو كان كيفَ يكونُ؟ كما قال: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: آية 28]، والمتخلفونَ عن غزوةِ تبوك لا يَحْضُرُونَهَا أبدًا؛ لأَنَّ اللَّهَ هو الذي ثَبَّطَهُمْ عنها لإرادتِه لحكمةٍ يعلمها {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ