كُلُّ هذه الغرائبِ والعجائبِ {تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} تقديرُه الذي قَدَّرَ هذا؛ لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عندَه (جل وعلا) بِمِقْدَارٍ.
و {الْعَزِيزِ}: معناه الغالبُ الذي لا يَغْلِبُهُ شيءٌ؛ لأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ على هذه الأفعالِ العظيمةِ إِلاَّ الغَالِبُ القاهرُ الذي لاَ يَغْلِبُهُ شيءٌ.
والعزَّةُ في لغةِ العربِ: الغَلَبَةُ. ومنه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} أي: الغَلَبَةُ، وفي الذِّكْرِ الحكيمِ: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} أي: ظَلَمَنِي في المخاصمةِ. وَمِنْ أَمْثَالِ العربِ: (مَنْ عَزَّ بَزَّ) (?) يَعْنُونَ مَنْ غَلَبَ اسْتَلَبَ. ومنه قولُ الخنساءِ الشاعرةِ (?):
كَأَنْ لَمْ يَكُونُوا حِمًى يُخْتَشَى إِذِ النَّاسُ إِذْ ذَاكَ مَنْ عَزَّ بَزَّا
وَرُبَّمَا أَطْلَقَتِ العربُ نادرًا العزةَ على (قلةِ الوجودِ وصعوبتِه)، فيقولونَ: «الشيءُ الفلانيُّ عزيزٌ». أي: قليلُ الوجودِ وصعبُ المنالِ، إلا أن (العزيزَ) في أسمائِه (جل وعلا) معناه: الغالبُ الذي لاَ يَغْلِبُهُ شيءٌ.
وقولُه: {الْعَلِيمِ} المحيطُ عِلْمُهُ بِكُلِّ شيءٍ (جل وعلا)؛ لأَنَّ اللَّهَ (جل وعلا) عِلْمُه محيطٌ بِكُلِّ شيءٍ، وَمَنْ أَرَادَ أن يعلمَ عظمةَ عِلْمِ اللَّهِ (جل وعلا) فَلْيَنْظُرْ إلى الحُجَّاجِ يومَ جمرةِ العقبةِ، يَجِدُ هذا الْعَالَمَ على اختلافِ ألوانِه وأشكالِه وَنَوَاحِيهِ وألسنتِه يجده كُلَّهُ مَصْبُوبًا صبةً واحدةً، الأنفُ مجعولٌ هنا، والعينانِ هنا، والفمُ هنا، ومع هذا لم يَضِقِ العلمُ حتى يكونَ اثنانِ مَصْبُوبَيْنِ في قَالَبٍ وَاحِدٍ، كُلُّ واحدٍ منهما مُغايَرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الآخَرِ، لا يلتبسُ منهم اثنانِ، حتى إن آثارَهم