البشريةِ في الدنيا، يُرَبِّي الأَرْوَاحَ، وَيُعْطِي الأجسامَ حقوقَها، وينيرُ الطريقَ للإنسانِ في جميعِ ميادينِ الحياةِ الدنيا، والحياةِ الأُخْرَوِيَّةِ.
والمسلمونَ إذا أَلْهَمَهُمُ اللَّهُ الرجوعَ إلى دينِهم ذَلَّ لهم كُلُّ شيءٍ، وَخَضَعَتْ لهم رقابُ كُلِّ جبارٍ في الدنيا؛ لأَنَّ دينَ الإسلامِ دينٌ لاَ يُغْلَبُ المتمسكُ بِهِ حقيقةً وَلاَ يُقْهَرُ؛ وَلِذَا كان مِنْ عَلاَمَاتِ دينِ الإسلامِ: أن الطائفةَ الضعيفةَ القليلةَ المتمسكةَ به تغلبُ الطائفةَ القويةَ الكثيرةَ التي لَمْ تَتَمَسَّكْ به؛ ولأجلِ هذا سَمَّى اللَّهُ (يومَ بدرٍ) سَمَّاهُ (فُرْقَانًا)، وَسَمَّاهُ (بَيِّنَةً)، وَسَمَّاهُ (آيةً)؛ لأنه برهانٌ فارقٌ بينَ الحقِّ والباطلِ. قال تعالى في سورةِ الأنفالِ: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} [الأنفال: آية 41] يعني بقولِه: {يَوْمَ الْفُرْقَانِ}: يومَ بدرٍ؛ لأنه يومٌ فَرَّقَ اللَّهُ فيه بينَ الحقِّ والباطلِ؛ لأَنَّ الفئةَ الضعيفةَ القليلةَ لا يمكنُ أَنْ تَقْهَرَ الفئةَ القويةَ الكثيرةَ إلا بتوفيقٍ ونصرٍ مِنَ اللَّهِ. وقال (جل وعلا) في يومِ بدرٍ: {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: آية 42] وقال في يومِ بدرٍ أيضًا في سورةِ آلِ عمرانَ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} [آل عمران: آية 13] وهذه الآيةُ - التي هي لَهُمْ - والعبرةُ: أن الفئةَ القليلةَ الضعيفةَ غَلَبَتِ الفئةَ القويةَ الكثيرةَ، وهذا لا يكونُ إلا بنصرِ اللَّهِ كما قال الله جل وعلا.
{ذَلِكَ} (?) المذكورُ مِنْ فَلْقِ الْحَبِّ عن السنبلِ، والنَّوَى عَنِ النخلِ مثلاً، وفَلْقِ الإصباحِ عن ضوءِ النهارِ، وجَعْلِ الليلِ ساجيًا مُظْلِمًا ملائمًا للسكونِ، وَتَسْيِيرِ الشمسِ والقمرِ بحسابٍ مُتْقَنٍ، وليعرفَ الناسُ بها عددَ السنينَ والحسابَ، وغيرَ ذلك من الحِكَمِ،