غَلَبَ على الشيخِ (رحمه الله) في السنواتِ الأخيرةِ من حياتِه التحرزُ الشديدُ من الْفُتْيَا والتباعدُ عنها، وكان إذا اضْطَرَّهُ أحدٌ إلى الجوابِ يقولُ: «لاَ أَتَحَمَّلُ فِي ذِمَّتِي شَيْئًا، العلماءُ يقولونَ كَذَا وَكَذَا».
وَلَمَّا سُئِلَ عن ذلك أجابَ بقولِه: «إن الإنسانَ في عافيةٍ ما لم يُبْتَلَ، والسؤالُ ابْتِلاَءٌ؛ لأنكَ تقولُ عن اللَّهِ ولا تدري أتصيبُ حُكْمَ اللَّهِ أم لا؟ فما لم يكن عليه نَصٌّ قَاطِعٌ من كتابِ اللَّهِ أو سنةِ رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَبَ التحفظُ فيه».
وكان يتمثلُ بقولِ الشاعرِ (?):
إِذَا مَا قَتَلْتَ الشَّيْءَ عِلْمًا فَقُلْ بِهِ ... وَلاَ تَقُلِ الشَّيْءَ الَّذِي أَنْتَ جَاهِلُهْ
فَمَنْ كَانَ يَهْوَى أَنْ يُرَى مُتَصَدِّرًا ... وَيَكْرَهُ «لاَ أَدْرِي» أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهْ
ولاَ يَخْفَى أن هذا الصنيعَ - أَعْنِي التحرزَ من الفُتْيَا - هو حالُ السلفِ الصالحِ، والمنقولُ عنهم في هذا المجالِ كثيرٌ لا يسعُ المقامُ نقلَه، فَلْيُرَاجَعْ فِي مَظَانِّهِ (?).