والطَّورُ الثالثُ: هو الدمُ الجامدُ الْمُعبَّرُ عنه بـ (العَلَقَةِ)، والطَّورُ الذي بَعْدَ ذلك: هو طَورُ (الْمُضْغَةِ)، وهو استحالةُ الدمِ مضغةً، قطعةَ لَحْمٍ، ليس فيها تَخْطِيطٌ وَلاَ تَشْكِيلٌ ولاَ رأسٌ ولاَ يَدٌ ولاَ رِجْلٌ، ثم إن اللَّهَ (تبارك وتعالى) يُقَلِّبُ تلكَ المضغةَ هيكلَ عِظَامٍ، وَاللَّهُ (جل وعلا) يُرَتِّبُ تلك العظامَ بعضَها ببعضٍ على هذا الأسلوبِ الغريبِ العجيبِ، في غايةٍ من الإحكامِ، ثم إن اللَّهَ (جل وعلا) بعدَ أن يصنعَ هيكلَ العظامِ يَكْسُوهُ اللَّحْمُ، ويجعلُ فيه العروقَ، فَيُفَصِّلُهُ وَيُخَطِّطُهُ، ويفتحُ فيه الْعَيْنَيْنِ، والأنفَ والفمَ والأُذُنَيْنِ، ويجعلُ فيه الأعضاءَ، ويضعُ كُلَّ عضوٍ في مَحَلِّهِ، ويضعُ الكبدَ في مَحَلِّهِ، والطحالَ وَالْكُلْيَتَيْنِ، إلى غيرِ ذلك، ويجعلُ الإنسانَ على هذا الأسلوبِ الغريبِ العجيبِ الهائلِ، الذي لو شُرِّحَ منه عضوٌ واحدٌ لَحَارَتْ عقولُ العقلاءِ بما أَبْدَعَ اللَّهُ فيه من غرائبِ صُنْعِهِ وعجائبِه، فليس في بدنِ الواحدِ منا مَوْضِعُ إبرةٍ إلا وَاللَّهُ أَوْدَعَ فيه من غرائبِ صُنْعِهِ وعجائبِه ما يُبْهِرُ العقولَ، وَكُلُّ هذا فَعَلَهُ فينا لم يَشُقَّ أُمَّهَاتِنَا، لَمْ يَشُقَّ طَبَقَةَ بَطْنِهَا السُّفْلَى وَلاَ الْوُسْطَى ولا الْعُلْيَا وَلَمْ يَخُطَّهَا، ولم يُبَنِّجْهَا، وَلَمْ يُنَوِّمْهَا في صِحِّيةٍ. يفعلُ في بطنِها هذه الأفعالَ الهائلةَ الغريبةَ العجيبةَ وهي لاهيةٌ تَفْرَحُ وَتَمْرَحُ، لاَ تَدْرِي عَنْ شيءٍ من ذلك، بكمالِ قدرتِه وَصُنْعِهِ. وَاللَّهُ يُلْفِتُ أنظارَنا إلى هذا ونحن نُلْفِتُ أنظارَ إخوانِنا إليه دائمًا؛ لأن اللَّهَ يقولُ: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: آية 6] يعني: بعدَ النطفةِ علقةً، وبعدَ خلقِ العلقةِ مضغةً، وبعدَ خلقِ المضغةِ عظامًا، إلى آخِرِهِ. وهو يقولُ: {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ} يعنِي: ظلمةَ البطنِ، وظلمةَ الرحمِ، وظلمةَ المشيمةِ التي هي على الولدِ في داخلِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015