لأَنَّ رِيحَ الْخَمْرِ قرينةٌ جازمةٌ على أنه شَرِبَ الخمرَ؛ إِذْ لو لم يَشْرَبْهَا لَمَا كانت رِيحُهَا في فِيهِ (?).

قالوا: لأَنَّ اللَّهَ دَلَّ في القصصِ الماضيةِ - بَيْنَ مَا يَدُلُّ - على أن القرائنَ الجازمةَ رُبَّمَا قَامَتْ مقامَ البيناتِ؛ ذلك لأَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ يُوسُفَ لَمَّا بَهَتَتْهُ امرأةُ العزيزِ وَقَالَتْ {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف: آية 25]، وَاضْطُرَّ نَبِيُّ اللَّهِ يوسفُ إلى الدفاعِ فقال: {قالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي} [يوسف: آية 126] وَلَمْ تَكُنْ هناك بينةٌ ولا شيءٌ يُصَدِّقُهُ أو يُصَدِّقُهَا، فجاءَ ذلك الشاهدُ وقال لَهُمْ: هذا أمرٌ يقومُ مقامَ البينةِ، وهي قرينةٌ تُبَيِّنُ الحقيقةَ تَرْكَنُ إليها النفسُ كما تَرْكَنُ لِلْبَيِّنَةِ. قال: انْظُرُوا إلى قميصِ الرجلِ: فَإِنْ كَانَ مَشْقُوقًا مِنْ جِهَةِ وَجْهِهِ فهو يَرْكُضُ على المرأةِ، والمرأةُ تَدْفَعُهُ عن نفسِها، وإن كان القميصُ مَشْقُوقًا من الوراءِ فهو هاربٌ وَهِيَ تَنْتَاشُهُ من وراء.

قال الله: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ} يعني مِنَ الأَمَامِ {فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)} [يوسف: آية 26،27] وَمَحَلُّ الشاهدِ قولُه: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ} لَمَّا وَجَدُوا القميصَ مَشْقُوقًا مِنْ دُبُرٍ جَزَمُوا بأنها كاذبةٌ وَأَلْزَمُوهَا، وقالوا: {إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف: آية 28]، وَاللَّهُ (جل وعلا) ما ذَكَرَ هذه القصةَ في معرضِ الاستحسانِ والتسليمِ مُبرِّئًا بها ساحةَ نَبِيِّهِ يوسفَ إلا أن مِثْلَ هذا يجوزُ أن يُعْتَمَدَ عليه إذا كانت القرائنُ واضحةً بَيِّنَةً لاَ تَتْرُكُ فِي الْحَقِّ لَبْسًا (?). وقد أَخَذَهَا العلماءُ بالإجماعِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015