وهنا مسألةٌ تَخْطُرُ في ذهنِ طالبِ العلمِ، يقولُ: اللَّهُ أَمَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآيةِ من سورةِ الأنعامِ أن يقتديَ بهؤلاءِ الرسلِ الكرامِ، وهو سيدُ الرسلِ وخيرُهم وأفضلُهم، فكيف يأمرُ الأفضلَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِمَنْ هو [أَقَلُّ] (?) مِنْهُ؟

الجوابُ عن هذا (?): أن اقتداءَه بهم أَعْلَى لظهورِ فضيلتِه وأوضحُ لذلك؛ لأنه إِنِ اقْتَدَى بهم شَارَكَهُمْ في كُلِّ ما كانوا عليه من الْهُدَى والخيرِ، وَزَادَ عليهم بأمورٍ عظيمةٍ خَصَّهُ اللَّهُ بها لم تَكُنْ لَدَيْهِمْ. وإذا كان مُشَارِكًا لهم بِمَا عندهم، زَائِدًا عليهم بما ليسَ عندهم ظَهَرَ بذلك الفضلُ، كما هو مَعْرُوفٌ.

والحاصلُ أن أكثرَ العلماءِ على أن شرعَ مَنْ قَبْلَنَا شرعٌ لنا، وأن مِنْ أَدِلَّتِهِ: هذه الآيةُ الكريمةُ؛ لأَنَّ اللَّهَ قال لِنَبِيِّنَا: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: آية 90]، وما أَنْزَلَهُ اللَّهُ عليهم كُلُّهُ هُدًى، إلا ما ثَبَتَ نَسْخُهُ، ولم يَزَلِ العلماءُ يَسْتَدِلُّونَ بقصصِ الأممِ الماضيةِ عَمَلاً بهذه الآيةِ وأمثالِها في القرآنِ من جميعِ المذاهبِ وفقهاءِ الأمصارِ؛ وَمِنْ هُنَا كان علماءُ المالكيةِ يقولونَ: إن القرينةَ إذا قَوِيَتْ رُبَّمَا قامت مقامَ البينةِ (?)؛ ولأَجْلِ هذا لَمَّا سُئِلَ مالكُ بْنُ أَنَسٍ (رحمه الله) عن رجلٍ استُنْكِهَ فَشُمَّ مِنْ فِيهِ رِيحُ الْخَمْرِ!! أَفْتَى بِجَلْدِهِ؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015