لِّأُولِي الأَلْبَابِ} [يوسف: آية 111] فَصَرَّحَ بأنه يَقُصُّ قصصَهم للاعتبارِ والعملِ بما تَضَمَّنَتْهُ قصصُهم،
وَوَبَّخَ مَنْ لَمْ يَعْقِلْ ذلك، قال في قومِ لوطٍ: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (138)} [الصافات: الآيتان 137، 138]، وبَّخَ مَنْ لَمْ يَعْقِلْ عن اللَّهِ وقائعَه في الأممِ الماضيةِ ليعتبرَ بها.
وفائدةُ ذلك العملِ وهو أن يَكُفَّ عن أسبابِ الهلاكِ الذي هَلَكَ بها الْهَالِكُونَ، وَيُسَارِعَ إلى أسبابِ النجاةِ. وقال جل وعلا: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} [الشورى: آية 13]، وقال في التوراةِ: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: آية 44] والموجودُ مِنَ النَّبِيِّينَ عِنْدَ نزولِ الآيةِ: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - وَحْدَهُ.
وكان الإمامُ الشافعيُّ (رحمه الله) يقولُ: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: آية90]، المرادُ بِالْهُدَى هنا في قولِه: {فَبِهُدَاهُمُ} والمرادُ بالدينِ في قولِه: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ} خصوصُ العقائدِ والأصولِ لا الفروعِ العمليةِ؛ لأَنَّ اللَّهَ قال في الفروعِ العمليةِ: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: آية 48].
وَنَحْنُ نقولُ: إن هذا الذي يُذْكَرُ عن الإمامِ الشافعيِّ (رحمه الله)، وإن كان هُوَ هُوَ فِي الجلالةِ، إلا أن هذا الكلامَ غيرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِمَا ثَبَتَ في صحيحِ البخاريِّ عن مجاهدٍ في تفسيرِ سورةِ (ص) أنه سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ: أَفِي (ص) سَجْدَةٌ؟ يعني: وَمِنْ أَيْنَ أُخِذَتِ السجدةُ فِي (ص)؟ فقال له ابنُ عَبَّاسٍ: أَوَمَا تَقْرَأُ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ} ثم قَالَ {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} وكان دَاوُدُ مِمَّنْ أُمِرَ نَبِيُّكُمْ أن يقتديَ به، فَسَجَدَهَا داودُ، فَسَجَدَهَا رسولُ اللَّهِ