وأصلُ الاتقاءِ في لغةِ العربِ (?): هو اتخاذُ الوقايةِ التي تَقِيكَ من المكروهِ. وهذا معنًى معروفٌ في كلامِ العربِ، ومنه قولُ نابغةِ ذبيانَ (?):
سَقَطَ النَّصِيفُ وَلَمْ تُرِدْ إِسْقَاطَهُ فَتَنَاوَلَتْهُ وَاتَّقَتْنَا بِالْيَدِ
أي: جَعَلَتْ يَدَهَا وقايةً بيننا وبينها حَيْثُ جَعَلَتْهَا دونَ وجهِها لئلا نَرَاهُ. هذا أصلُ (الاتقاءِ) تقول العربُ: «اتقيتُ السيوفَ بمجنِّي»، و «اتقيتُ الرمضاءَ بنعلي».
هذا أصلُ (الاتقاءِ)، وهو في اصطلاحِ الشرعِ (?): اتخاذُ العبدِ وقايةً تَقِيهِ مِنْ عذابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ.
وهذه الوقايةُ مُرَكَّبَةٌ من شيئين هما: امتثالُ أمرِ اللَّهِ، واجتنابُ نَهْيِ اللَّهِ.
ومعلومٌ أن مادةَ (الاتقاءِ) أصلُها مِنْ (وَقَى) ففاءُ المادةِ واوٌ، وعينها قافٌ، ولامُها ياءٌ، فهي مما يُسَمِّيهِ الصَّرْفِيُّونَ: (اللفيفَ المفروقَ). فأصلُ الاتقاءِ من الوقايةِ: (و. ق. ى). إلا أنها دَخَلَهَا (تاءُ) الافتعالِ، كما تقولُ في (قَرب): اقترب، وفي (كسب): اكتسب، وفي (قطع): اقتطع، وفي (وقى): اوْتَقَى. والقاعدةُ المقررةُ في التصريفِ: أن كُلَّ فعلٍ واويِّ الفاءِ إذا دخله (تاءُ) الافْتِعَالِ أُبْدِلَتِ الفاءُ التي هي الواوُ تاءً، وَأُدْغِمَتْ في التاءِ، فقيل فيه: (اتَّقَى). فهذا التشديدُ مُرَكَّبٌ من حرفين: الأولُ منهما أصلُه واوٌ في محلِّ فاءِ الكلمةِ. والثاني: تاءُ الافتعالِ الزائدةُ. هذا أصلُ