وسكتَ عن أشياءَ رحمةً بنا لا نِسْيَانًا، والتي سكتَ عنها ليس لنا البحثُ عنها، وهي عَفْوٌ، ولكن هذا الذي تقولُ أنتَ: إن اللَّهَ سكتَ عنه نحنُ نقولُ: أنتَ في هذا لستَ بِمُصِيبٍ، بل اللَّهُ لم يسكت عنه، بل بَيَّنَ حكمَه بذلك الشيءِ الذي نَصَّ عليه، وأمثالُ هذا كثيرةٌ في كتابِ اللَّهِ وفي سُنَّةِ نَبِيِّهِ، فنحن معاشرَ عامَّةِ المسلمين نعلمُ أن اللَّهَ (جل وعلا) لَمَّا قال في الوالدين: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} ابنُ حزمٍ يقولُ: ضَرْبُ الوالدين مسكوتٌ عنه، ولم تَدُلَّ هذه الآيةُ على مَنْعِهِ (?)!! ونحنُ نقولُ: هذا غيرُ صحيحٍ، بل آيةُ: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: آية 23] لَيْسَتْ ساكتةً عن ضربِ الوالدين؛ لأن النهيَ عن التأفيفِ يُفْهَمُ منه قطعًا من دلالةِ هذه الآيةِ أنه أَحْرَمُ وَأَحْرَمُ وَأَحْرَمُ؛ لأنه أشدُّ إيذاءً، كذلك حديثُ أبي بكرةَ الثابتُ في الصحيحين، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لاَ يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» (?). صَرَّحَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديثِ الصحيحِ أن

القاضيَ في وقتِ الغضبِ لا يجوزُ له أن ينظرَ في قضايا الناسِ؛ لأن الغضبَ أمرٌ مُشَوِّشٌ للفكرِ، لا يتمكنُ معه القاضي من استيفاءِ النظرِ في الحقوقِ، فَلَوْ حَكَمَ في ذلك الوقتِ فهو مظنةٌ لضياعِ حقوقِ الناسِ، وسكتَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديثِ الصحيحِ عما لو كان القاضي مُشَوَّشَ الفكرِ تَشْوِيشًا أعظمَ مِنَ الغضبِ، كَأَنْ كانَ في حزنٍ أو سرورٍ مُفْرِطَيْنِ، أو كان في جوعٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015