واختلف علماءُ العربيةِ في لفظةِ جهنمَ هل هي عربيةٌ أصلاً أو مُعَرَّبَةٌ (?)؟ والتحقيقُ أن القرآنَ العظيمَ ليس فيه عجميٌّ أصلاً (?) إلاَّ الأعلام، وإن كان بعضُ الكلماتِ معروفةً في كلامِ العجمِ، فبدلاً من أن نقولَ: إن العربَ أخذوها من العجمِ نقولُ: إن العجمَ أخذوها من العربِ؛ لأن اللَّهَ يقولُ في القرآنِ: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195)} [الشعراء: الآية 195]. ولا يمكنُ أن نحكمَ بأن شيئًا منه غيرُ عربيٍّ إلاَّ بدليلٍ قاطعٍ كالأعلامِ، فإن الأعلامَ تُذَكَّرُ في جميعِ اللغاتِ حسب ما وُضِعَتْ بوضعِها الأولِ.
وعلى أن {جَهَنَّمَ} أصلُها عربيةٌ وأصلُها من كلامِ العربِ لا معرَّبة: فأصلُ مادتِها (الجيم، والهاء، والميم) والنونُ المشددةُ فيها زائدةٌ - فعلى هذا القولِ يكونُ وزنُها بالميزانِ الصرفيِّ: (فعنَّل) (?) بزيادة النون المشددة بين العين واللام، وعليه فحروفُها الصحيحةُ هي: (الجيم) في محلِّ (الفاء)، و (الهاء) في محلِّ (العين) و (الميم) في محل (اللام) من (جَهَمَهُ يَجْهَمُه) إذا لقيه بوجهٍ عابسٍ مقطَّبٍ كَرِيهٍ؛ لأن أصحابَها إذا دخلوا فيها تَلَقَّتْهُمْ بوجهٍ عابسٍ كريهٍ وتقطَّبت وَعَبَسَتْ وجوهُهم فيها، والعربُ تقولُ: (جَهَمَه) (يَجْهَمُه) إذا تَلَقَّاهُ بوجهٍ عابسٍ كريهٍ، ومنه قولُ عمرِو بنِ الفضفاضِ الجهنيِّ (?):
وَلاَ تَجْهَمِينَا أُمَّ عَمْرٍو، فَإِنَّمَا ... بنَِا دَاءُ ظَبْيٍ لَمْ تَخُنْهُ عَوَامِلُهْ