{أَلَمْ يَعْلَمُوا} معناه: عَلِمُوا أن مَنْ حَادَّ اللَّهَ {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8)} [البلد: آية 8] جَعَلْنَا له عَيْنَيْنِ {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)} [الشرح: آية 1] شَرَحْنَا لكَ صدركَ. فإن قِيلَ: بأيِّ وجهٍ انقلبت المضارعةُ ماضويةً، وانقلب النفيُ إثباتًا، مع أن النفيَ والإثباتَ، نقيضانِ؟ فالجوابُ: أن انقلابَ المضارعةِ ماضويةً أَمْرٌ واضحٌ لاَ إشكالَ فيه؛ لأن (لم) حرفُ قَلْبٍ، تقلبُ المضارعَ من معنَى الاستقبالِ إلى معنَى الماضِي، وهذا أمرٌ معروفٌ لا نزاعَ فيه ولاَ إشكالَ، أما انقلابُ النفيِ إثباتًا فوجهُه أن همزةَ الاستفهامِ التي قبلَ حرفِ (لم) هي استفهامُ إنكارٍ، والإنكارُ مُضَمَّنُ معنَى النفيِ، فيتسلط النفيُ الكامنُ في الهمزةِ على النفيِ الصريحِ في (لم) فَيَنْفِيهِ، ونفيُ النفيِ إثباتٌ. هذا وجهُ مَنْ قال هذا القولَ.

القولُ الثانِي: أن كُلَّ فعلٍ مضارعٍ مسبوقٍ بـ (ألم) في جميعِ القرآنِ هو استفهامُ تقريرٍ، والمرادُ باستفهامِ التقريرِ هو حَمْلُ المخاطَب على أن يُقِرَّ فيقول: بَلَى، وليس المرادُ منه طلبَ فَهْمٍ ألبتةَ. فالمرادُ بهذا على هذا القولِ أن يقولوا: بَلَى نعلمُ أنه من يُحَادِدِ اللَّهَ ورسولَه فأن له نارَ جهنمَ {أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ} إنما فُكَّ الإدغامُ هاهنا لأن الفعلَ مجزومٌ، ومعلومٌ أن المضعَّفَ إذا جُزِمَ أو صار أمرًا جَازَ فيه الإدغامُ وفَكُّ الإدغامِ كما هو معروفٌ في محلِّه. ومعنَى قولِه: {مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ} أي: يُشَاقِّ اللَّهَ ويخالفه ويعاصيه. وأصلُ المحادَّةِ: من الحدِّ؛ لأن المحادَّ يكونُ في الحدِّ الذي ليس فيه من حاده، تقول: زيد مُحَادٌّ لعمرو. أي: مشاقٌّ له ومعادٍ له ومعاندٌ؛ لأنه في الحدِّ الذي ليس فيه، فهذا في الحدِّ الذي ليس فيه هذا وذلك بعكس ذلك أيضًا. وهذا معنًى معروفٌ في كلامِ العربِ، وأعظمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015