الحارثِ البرجميِّ (?):
فَمَنْ يَكُ أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رَحْلُهُ ... فَإِنِّي وَقَيَّارًا بِهَا لَغَرِيبُ
فإني لغريبٌ وقيارٌ لغريبٌ. هذا من أمثلتِه في غيرِ الضميرِ، وأمثلةُ حذفِ أحدِ الضميرينِ اكتفاءً عنه بالآخَرِ كثيرةٌ في كلامِ العربِ وفي القرآنِ العظيمِ، فَمِنْ أمثلتِها في القرآنِ في المتعاطفاتِ بالواوِ كما هنا: قولُه: {يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا} [التوبة: آية 34] {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإنَّهَا} [البقرة: آية 45] {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} {أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ} [الأنفال: آية 20] وأمثالُ ذلك كثيرةٌ في القرآنِ. ومن أمثلتِه في كلامِ العربِ قولُ نابغة ذبيانَ وهو شاهدُه المشهورُ (?):
وَقَدْ أَرَانِي وَنُعْمًا لاَهِيَيْنِ بِهَا ... وَالدَّهْرُ وَالْعَيْشُ لَمْ يَهْمِمْ بِإِمْرَارِ
يعنِي: لم يَهْمِمَا. فَرَدَّ الضميرَ على واحدٍ من العيشِ أو الدهرِ؛ لأَنَّ الآخَرَ مفهومٌ منه، ومنه قولُ حسانَ رضي اللَّهُ عنه (?):
إِنَّ شَرْخَ الشَّبَابِ وَالشَّعَرَ الأَ ... سْوَدَ مَا لَمْ يُعَاصَ كَانَ جُنُونَا
فلم يَقُلْ: ما لم يُعَاصَيَا. وهو كثيرٌ.
وأما في المعطوفِ بـ (أو) فالقياسُ أن يرجعَ الضميرُ بالإفرادِ؛ لأن الضميرَ في المتعاطفاتِ بـ (أو) يرجع إلى الأحدِ الدائرِ بينها، وهو القياسُ كقولِه: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ} [النساء: آية 112] وقد رَدَّهُ إلى أحدِهما بعينِه تعالى في قولِه: