قولِه: {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا} شيئًا {إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} (إذا) الفجائيةُ تأتِي جوابًا للشرطِ كما هو معروفٌ في محلِّه.
ثم إن اللَّهَ قال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ} لو رَضُوا بنصيبِ اللَّهِ الذي قَسَمَ لهم كما يُعْطَى لسائرِ المسلمينَ من الصدقاتِ وغيرِها {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} حَسْبُنَا معناه: يَكْفِينَا اللَّهُ (جلَّ وعلا)؛ لأَنَّ فِي اللَّهِ خَلَفًا مِنْ كُلِّ شيءٍ، وكفايةٌ مِنْ كُلِّ شيءٍ، فمعنَى {حَسْبُنَا اللَّهُ} يَكْفِينَا اللَّهُ {سَيُؤْتِينَا اللَّهُ} سَيُعْطِينَا اللَّهُ من فَضْلِهِ، أي: مِنْ فضلِ اللَّهِ على يدِ رسولِه صلى الله عليه وسلم، وَسَيُؤْتِينَا رسولُه ما أَمَرَهُ اللَّهُ به أن يُؤْتِينَا، لو حَسَّنُوا الظنَّ بِاللَّهِ، وتوكلوا على الله، ورغبوا فيما عند الله، وقالوا: إنا إلى ربنا راغبون. أي: رَغْبَتُنَا إليه، ورهبتُنا إليه؛ لأن طَمَعَنَا وَأَمَلَنَا كُلَّهُ فيه؛ لأن المؤمنَ بمعناه الصحيحِ رغبتُه إلى اللَّهِ؛ لأنه يطيعُ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ وَيَرْغَبُ فيما عند الله (جلَّ وعلا) من الخيرِ، كما قال تعالى مَادِحًا للأنبياءِ: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: آية 90] وقال لنبينا صلى الله عليه وسلم: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)} [الشرح: الآيتان 7، 8] لأن الرغباتِ كُلَّهَا إلى اللَّهِ (جلَّ وعلا)؛ لأنه هو الذي بيدِه الخيرُ، وَكُلُّ شيءٍ بيدِه، فرغبةُ المؤمنِ إليه (جلَّ وعلا) يستنزلُ رحماتِ اللَّهِ وَمَا يرجو من اللَّهِ بطاعةِ اللَّهِ (جلَّ وعلا) وَتَقْوَاهُ. وهذا معنَى قولِه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)} [التوبة: آية 59] جوابُ (لو) محذوفٌ دَلَّ المقامُ عليه، والتقديرُ: لو أنهم فَعَلُوا ذلك لكانَ خَيْرًا لهم.
وقد جاء في القرآنِ وَفِي كلامِ العربِ حذفُ جوابِ (لو) إذا دَلَّ المقامُ عليه، فهو كثيرٌ في القرآنِ وفي كلامِ العربِ فَمِنْ أمثلةِ حذفِ جوابِ (لو) في