لأن الأشياءَ التي أصلُها مصادر إذا تُنُوسِيَتْ فيها المصدريةُ واستعملت استعمالَ الأوصافِ جَازَ أن يُرَاعَى فيها أصلُها وهو المصدرُ، والعربُ إذا نَعَتَتْ بالمصدرِ الْتَزَمَتِ الإفرادَ والتذكيرَ، ومن هنا كان الرسولُ يجوزُ إفرادُه مُرَادًا به الجمعُ أو التثنيةُ؛ لأَنَّ أصلَه مصدر؛ ولذلك جاء مُفْرَدًا في سورةِ الشعراءِ في قولِه: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: آية 16] نظرًا إلى أصلِ مصدريتِه. وجاء مُثَنًّى في سورةِ طه: {إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ} [طه: آية 47] اعتدادًا بالوصفيةِ العارضةِ وإلغاءً للمصدريةِ الأصليةِ؛ ولذلك كانت العربُ تُطْلِقُ الرسولَ وتريدُ به الجمعَ على عادتِها إذا نَعَتَتْ بالمصادرِ، ومنه قولُ أَبِي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيِّ (?):

أَلِكْنِي إِلَيْهَا وَخَيْرُ الرَّسُو ... لِ أَعْلَمُهُمْ بِنَوَاحِي الْخَبَرْ

يعنِي: وخيرُ الرسلِ. وهذا معنَى قولِه: {إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} محمد صلى الله عليه وسلم.

{وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاةَ} هي هذه الصلاةُ المكتوبةُ، أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا {إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى} إلا والحالُ هم كُسَالَى، وَالْكُسَالَى جمعُ الكسلانِ: المتكاسلُ عنها الذي هي ثقيلةٌ عليه؛ لأَنَّ اللَّهَ يقولُ: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: آية 45] لأَنَّ الصلاةَ لاَ تَخِفُّ إلا على مَنْ يريدُ جزاءَ اللَّهِ وثوابَه، أما المنافقونَ والذين لا إيمانَ لهم، فَهِيَ أثقلُ شيءٍ عليهم؛ وَلِذَا لا يأتونَها إلا متكاسلينَ في غايةِ الكسلِ يُرَاؤُونَ الناسَ ولو كانوا بانفرادِهم لاَ يَطَّلِعُ عليهم الناسُ لَمَّا صَلَّوْهَا كما تَقَدَّمَ في قولِه تعالى في سورةِ النساءِ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015