الآياتِ. وقال بعضُهم: إن منه قولَه تعالى: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} [النور: آية 39] قال بعضُ العلماءِ: وَفَّاهُ حسابَه فِي دارِ الدنيا بما رَزَقَهُ على عملِه الصالحِ من العافيةِ. وإن كان الوجهُ الآخَرُ أصحَّ في الآيةِ، كُلُّ هذا الذي هو إثابةُ الكافرِ من عَمَلِهِ فِي الدنيا لا شَكَّ مُقَيَّدٌ بمشيئةِ اللَّهِ؛ لأن ذلك دَلَّتْ عليه آيةُ سورةِ بَنِي إسرائيلَ، وهي قاضيةٌ على كُلِّ شيءٍ في هذا البابِ. أعنِي قولَه تعالى: {مَّنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاَهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18)} [الإسراء: آية 18] فقولُه: {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ} قَيَّدَ بالمشيئةِ للجزاءِ الثابتِ في صحيحِ مسلمٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. وهذا معنَى قولِه: {إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة: آية 54].
قَدْ قَدَّمْنَا في هذه الدروسِ مِرَارًا (?) أن أصلَ مادةِ الكافِ والفاءِ والراءِ معناها التغطيةُ وَالسَّتْرُ، فَكُلُّ شيءٍ غَطَّيْتَهُ وَسَتَرْتَهُ فقد كَفَرْتَهُ، ومنه قيل لِلزُّرَّاعِ: (كُفَّارٌ)؛ لأنهم يكفرون البذرَ في بطنِ الأرضِ، وقيل لليلِ: (كَافِرٌ) والعربُ تُسَمِّي الليلَ كَافِرًا؛ لأنه يكفر الأجرامَ ويغطيها بظلامِه. وَكَفَرَ الشيءَ إذا غَطَّاهُ وَسَتَرَهُ، ومن هذا المعنَى قولُ لبيدِ بنِ ربيعةَ فِي معلقتِه (?):
يَعْلُو طَرِيقَةَ مَتْنِهَا مُتَوَاتِرٌ ... فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا
أَيْ: سَتَرَ النجومَ وَغَطَّاهَا غمامُ تلك الليلةِ. وقولُه أيضًا في معلقتِه هذه في تسميةِ الليلِ كافرًا (?):