وقد قَدَّمْنَا في هذه الدروسِ مِرَارًا (?) أن العملَ الصالحَ الذي يُثَابُ به صاحبُه يومَ القيامةِ هو ما اسْتَكْمَلَ ثلاثةَ أمورٍ:

الأول: منهما أن يكونَ مُطَابِقًا لِمَا جاء به النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؛ لأَنَّ اللَّهَ لاَ يقبلُ أن يُتَقَرَّبَ إليه إلا بما شَرَعَ على لسانِ رسولِه صلى الله عليه وسلم، فَمَنْ تَقَرَّبَ إليه بِمَا لَمْ يَشْرَعْهُ لم يَقْبَلْهُ منه {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى: آية 21].

الثانِي: أن يكونَ العبدُ فيما بينَه وبينَ اللَّهِ في نيتِه التي لا يعلمُها إلا اللَّهُ مُخْلِصًا في عملِه لله؛ لأَنَّ اللَّهَ يقولُ: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: آية 5] {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11)} [الزمر: آية 11].

الثالثُ: هو هذا الذي نحنُ بصددِه: أن يكونَ العملُ مَبْنِيًّا على أساسِ الإيمانِ بِاللَّهِ والعقيدةِ الصحيحةِ؛ لأَنَّ العملَ كالسقفِ، والعقيدةُ الصحيحةُ والإيمانُ بِاللَّهِ كالأساسِ، والسقفُ لا يستقيمُ إلا على أساسٍ؛ وَلِذَا مَنْ عَمِلَ أعمالاً صالحةً ليست مَبْنِيَّةً على أساسِ الإيمانِ فَهِيَ باطلةٌ منهارةٌ لاَ ينتفعُ بها، وَاللَّهُ (جلَّ وعلا) يقولُ: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النساء: آية 124] فَقُيِّدَ بقولِه: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} وهذا لا نزاعَ فيه؛ لأَنَّ كُلَّ عملٍ يعملُه الكافرُ ولو كان مُطَابِقًا للشرعِ، والكافرُ مخلصٌ فيه لِلَّهِ، فإن بعضَ الكفارِ يَبَرُّ وَالِدَيْهِ، ويصلُ رَحِمَهُ، وَيُقْرِي الضيفَ، ويعينُ المظلومَ، وينفسُ عن المكروبِ، كُلُّ ذلك يقصدُ به وجهَ اللَّهِ، فهذه قُرَبٌ صحيحةٌ موافقةٌ للشرعِ هو مخلصٌ فيها لله، لا ينفعُه اللَّهُ بها يومَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015