وَلاَ تَدْفِنَنِّي بِالْفَلاَةِ فَإِنَّنِي أَخَافُ إِذَا مَا مِتُّ أَلاَّ أَذُوقَهَا
لأنه هو عَالِمٌ بأنه إذا مَاتَ لاَ يشربُ الخمرَ في قبرِه أبدًا، فقوله: «أخاف» أَطْلَقَ الخوفَ في شيءٍ هو عَالِمٌ به علمًا يقينًا؛ ولذا قال هنا: {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} يعني: لاَ يَغْتَمُّونَ من أمرٍ مستقبلٍ؛ لأن مستقبلَهم كُلَّهُ طيبٌ، ليس يُترقبُ فيه شيءٌ فيه أَذِيَّةٌ، وإنما فيه الفرحُ والسرورُ، ولا يحزنونَ على شيءٍ فائتٍ؛ لأنهم لم يَفُتْهُمْ شيءٌ إلا وعندهم أضعافُ أضعافِه من أنواعِ النعيمِ، فلا يفوتُهم مطلبٌ يحزنونَ عليهِ، ولا يخافونَ من ضررٍ ولا غَمٍّ مستقبلٍ يخافونَ منه.
وفي هذه الآيةِ الكريمةِ سؤالٌ نَحْوِيٌّ، وهو أن يقولَ طالبُ العلمِ: {لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} أُهْمِلَتْ (لا) هنا ولم تَعْمَلْ، فَلِمَ لاَ يقولُ: «لاَ خَوْفَ عليهم» كما قال: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ} [البقرة: آية 197]؟
والجوابُ عن هذا (?): أن (لاَ) لا تعملُ إلا في النكراتِ، سواء قلنا إنها التي لنفيِ الجنسِ، أو قلنا إنها العاملةُ عملَ (ليس)، والجملةُ الأخيرةُ: {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} المبتدأُ فيها ضميرٌ، والضمائرُ معارفُ، فلا يجوزُ أن تعملَ فيها (لا) بِكُلِّ حالٍ، فلما مُنِعَ عَمَلُهَا في الجملةِ الثانيةِ لمكانِ الضميرِ وهو مُعَرَّفٌ، وامتنعَ عملُها فيها، أُلغِيَ عملُها في الأُولَى لتنسجمَ الجملتانِ وَتَتَّفِقَا في الإهمالِ دونَ الإعمالِ.
[4/أ] / {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأنعام: آية 49].