في غيرِ موضعِها؛ لأَنَّ مَنْ يأكلُ نِعَمَ اللَّهِ ويتقلبُ في رِزْقِهِ وعافيتِه إذا كان يعبدُ غيرَه فقد ظَلَمَ، أي: وَضَعَ العبادةَ في غيرِ موضعِها، كما قال تعالَى عن لقمانَ: {يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: آية 13] وقال: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: آية 254] {وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ (106)} [يونس: آية 106] ولأَجْلِ هذا كان الظلمُ في القرآنِ يُطْلَقُ على الشركِ وعلى غيرِه من المعاصِي والمخالفاتِ، وَثَبَتَ في صحيحِ البخاريِّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن قولَه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: آية 82] قال: ولم يَلْبِسُوا إيمانَهم بِشِرْكٍ (?). هذا أصلُ الظلم في لغةِ العربِ.
وهو في الشرعِ على نَوْعَيْنِ: ظلمٌ أكبرُ، وظلمٌ دونَ ظلمٍ، فالظلمُ الأكبرُ هو وضعُ العبادةِ في غيرِ موضعِها، وهو الشركُ بالله. وظلمٌ دونَ ظلمٍ وهو أن يُطِيعَ عدوَّه إبليسَ ويعصيَ رَبَّهُ، فالذي أَطَاعَ الشيطانَ وعصى اللَّهَ قد ظَلَمَ نفسَه؛ لأنه عَرَّضَهَا لسخطِ اللَّهِ وَوَضَعَ الطاعةَ في غيرِ موضعِها، والمعصيةَ في غيرِ موضعِها. وهذا معنَى قولِه: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة: آية 47] وهذا المعنَى مشهورٌ في كلامِ العربِ، أن الظلمَ هو وضعُ الشيءِ في غيرِ موضعِه، ومنه قد تقولُ العربُ للذي يضربُ لَبَنَهُ قبلَ أن يَرُوبَ: هو ظَالِمٌ؛ لأنه وَضَعَ الضربَ في غيرِ موضعِه؛ لأن ضربَه قبل أن يروبَ يُضَيِّعُ زبدَه، وهو معنًى معروفٌ في كلامِ العربِ، ومنه قولُ الشاعرِ (?):
وَقَائِلَةٍ ظَلَمْتُ لَكُمْ سِقَائِي ... وَهَلْ يَخْفَى عَلَى الْعَكَدِ الظَّلِيمُ