وَنَسَبَ الإحاطةَ لنفسِه ونفاها عن سليمانَ وقال: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا} الآياتِ [النمل: الآيات 22 - 24]. فسليمانُ ما كان يدرِي عن هذا، ولم يَقُلْ له إلا أن قال: {سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)} وأمثالُ هذا كثيرٌ.

فَاللَّهُ (جلَّ وعلا) هو العليمُ الأعظمُ، والملائكةُ والرسلُ (صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليهم) يعلمونَ من عِلْمِ اللَّهِ ما عَلَّمَهُمُ اللَّهُ من غيبِه وما لم يعلمهم لم يعلموه، وهو (جلَّ وعلا) وحدَه هو المحيطُ علمُه بكلِّ شيءٍ، العالِم بما كان وما يكون، وبالمعدومِ والموجودِ، والمعدومِ الذي لا يوجدُ أن لو وُجِدَ كيف يكونُ {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)} [النمل: آية 65] وهذا معنَى قولِه: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة: آية 47].

وقولُه: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} كقولِه: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} [التوبة: آية 44] فقال في الأُولَى: إن تقوَى المتقينَ لاَ تَخْفَى عليه، وأن ظلمَ الظالمينَ لاَ يَخْفَى عليه.

وقد قدَّمنا في هذه الدروسِ مرارًا (?) أن أصلَ معنَى الظلمِ في لغةِ العربِ هو: وَضْعُ الشيءِ في غيرِ محلِّه، مادةُ الظاءِ واللامِ والميمِ (ظَلَمَ) معناها: وضعُ الشيءِ في غيرِ محلِّه. هذا هو أصلُ معنَى هذه المادةِ، وأعظمُ أنواعِها هو الشركُ بِاللَّهِ؛ لأَنَّ الشركَ بالله وضعٌ للعبادةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015