كَرِهَ اللَّهُ خروجَهم معكَ لضررِ ذلك عليكَ، {فَثَبَّطَهُمْ} عن ذلك الخروجِ مراعاةً لمصلحتكَ. والتثبيطُ: التبطئةُ والتعويقُ وعدمُ الخروجِ، فَثَبَّطَهُمْ عنكَ مراعاةً لمصلحتكَ ومصلحةِ مَنْ مَعَكَ مِنَ المسلمينَ، وهذا معنَى قولِه: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ}.

{قِيلَ} هنا مَبْنِيٌّ للمفعولِ حُذِفَ فاعلُه، واختلفَ العلماءُ في فاعلِه المحذوفِ (?)، فقال بعضُ العلماءِ: قال بعضُهم لبعضٍ في سِرِّهِمْ وباطنِ أمرِهم: {اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} وَاسْتَأْذِنُوهُ لتقعدوا. وقال بعضُهم: أَذِنَ لهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: {اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} وعلى هذا القولِ فـ (اقعدوا) هو الإذنُ. وبعضُهم يقول: قولُه: {مَعَ الْقَاعِدِينَ} أَذِنَ لهم إِذْنًا صاحبُه لاَ يرضى عنهم. والمرادُ بالقاعدينَ: الذين ليس من شأنِهم الحضورُ، كالصبيانِ والزَّمْنَى والنساءِ، ونحو ذلك ممن ليس من شأنِه الخروجُ للقتالِ.

وقال بعضُ العلماءِ: هو كَوْنِيٌّ قَدَرِيٌّ، الله يقولُ للشيءِ: «كُنْ فَيَكُونُ «، فقال: «اقْعُدُوا». فكان قعودُهم، واختار هذا بعضُ العلماءِ.

ثم إن الله قال: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً} [التوبة: آية 47] لو خرج فيكم رؤساءُ هؤلاء المنافقينَ الذين يحركونَهم ويرأسونَهم في الشرِّ كابْنِ أُبَيِّ بنِ سلولَ والجدِّ بنِ قيسٍ - قبحهما الله - وأمثالهم {لَوْ خَرَجُوا فِيكُم} غازينَ إلى تبوكَ {مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً} ما حصلتُم منهم على فائدة ولم يزيدوكم إلا خبالاً. والخبالُ معناه: الفسادُ. أي: ما زَادُوكُمْ إلا فَسَادًا؛ لأنهم يفسدونَ عليكم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015