النفيِ. ومعنَى {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ} شَكَّتْ قلوبُهم والعياذُ بِاللَّهِ. وَأَسْنَدَ الارتيابَ إلى القلوبِ لأَنَّ القلبَ هو مَحَلُّ الإدراكِ الذي يكونُ فيه الشكُّ، ويكونُ فيه اليقينُ، ويكونُ فيه العلمُ والإدراكُ. وهذا الارتيابُ سَيُبَيِّنُهُ لهم المؤمنونَ يومَ القيامةِ كما يأتِي بيانُه في سورةِ الحديدِ؛ لأنه سيأتِي في سورةِ الحديدِ - إن شاء الله - أَنَّ كُلَّ مَنْ كان يقولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ في دارِ الدنيا يُعْطِيهِ اللَّهُ نورًا، فيكونُ عندَ المنافقينَ نُورٌ، وعندَ المؤمنينَ نورٌ، فإذا - مثلاً - اشْتَدَّ الأمرُ وصارَ الناسُ في فصلِ الخطابِ انْطَفَأَ نورُ المنافقينَ وَبَقُوا في ظلامٍ دامسٍ، وعند ذلك يقولُ المؤمنونَ: {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} [التحريم: آية 8] ويقولُ المنافقونَ للمؤمنينَ: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد: آية 13] فإذا ضُرِبَ ذلك السورُ بَيْنَ المنافقينَ والمؤمنينَ قال المنافقونَ للمؤمنينَ: {أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ} [الحديد: آية 14] أَلَمْ نكن معكم في دارِ الدنيا؟ وكنا نحضرُ معكم المساجدَ والغزواتِ، ونأتِي معكم المواطنَ؟ {قَالُوا بَلَى} كنتُم معنا {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ} وهذا محلُّ الشاهدِ. ذلك الارتيابُ الذي قال عنهم هنا: {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: آية 45] هو من الأسبابِ التي تجعلُهم يومَ القيامةِ وراءَ السورِ، والعياذُ بالله.

وقولُه: {فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ} أي: فَهُمْ في شَكِّهِمْ {يَتَرَدَّدُونَ} أي: يذهبونَ حائرينَ تارةً يُقَدِّمُونَ رِجلاً ويؤخرونَ أخرى، يذهبون ويرجعون، يتوجهون إلى الإيمان مرة ويكفرون مرة (والعياذ بالله جل وعلا). وهذا معنَى قولِه: {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015