اتَّبَعْتُمُوهُمْ في ذلك النظامِ الذي وَضَعَهُ الشيطانُ لأَتْبَاعِهِ وَأَقَامَ دليلاً من وَحْيِهِ عليه {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} بِاللَّهِ، متخذونَ مَنِ اتَّبَعْتُمْ تشريعَه رَبًّا غيرَ اللَّهِ. وهذا الشركُ في قولِه: {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} هو الشركُ الأكبرُ المخرجُ عن مِلَّةِ الإسلامِ بإجماعِ المسلمينَ، وهو الذي أَشَارَ اللَّهُ إليه في قولِه: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)} [النحل: آية 100] وهو الذي صَرَّحَ به الشيطانُ في خطبتِه يومَ القيامةِ المذكورةِ في قولِه: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} إلى قولِه: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم: آية 22] وهو المرادُ على أَصَحِّ التفسيرين في قولِه: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} [سبأ: آية 41] يعبدونَ الشياطينَ باتباعِهم أنظمتَهم وتشريعاتِهم على ألسنةِ الكفارِ، وهو الذي نَهَى عنه إبراهيمُ أَبَاهُ: {يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ} [مريم: آية 44] أي: بِاتِّبَاعِ ما يقررُ لَكَ من نظامِ الكفرِ والمعاصِي مُخَالِفًا لشرعِ اللَّهِ الذي أَنْزَلَهُ على رُسُلِهِ، وهذه العبادةُ بعينِها هي التي وَبَّخَ اللَّهُ مُرْتَكِبَهَا وَبَيَّنَ مصيرَه الأخيرَ في سورةِ "يس" في قولِه: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60)} [يس: آية 60] ما عَبَدُوهُ بسجودٍ ولاَ ركوعٍ وإنما عَبَدُوهُ باتباعِ نظامٍ وتشريعٍ وقانونٍ شَرَعَ لهم أمورًا غيرَ ما شَرَعَهُ اللَّهُ فاتبعوه وتركوا ما شَرَعَ اللَّهُ فعبدوه بذلك واتخذوه رَبًّا كما بَيَّنَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعديِّ بنِ حاتمٍ (رضي الله عنه)، فهذا أمرٌ لاَ شَكَّ فيه، وهو المرادُ بقولِه: {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا} [النساء: آية 117] يعني: ما يعبدونَ إلا شيطانًا مَرِيدًا،

أي: عبادةَ اتباعِ نظامٍ وتشريعٍ. وَاعْلَمْ أن قومًا زَعَمُوا أنهم يريدونَ أن يتحاكموا إلى شرعِ الشيطانِ والذي وَضَعَهُ، وَادَّعُوا مع ذلك أنهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015