جرائمَ اليهودِ والنصارى، فَعَدَّ منها أنهم نَسَبُوا له الأولادَ، وَأَتْبَعَ ذلك بقولِه: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: آية 30] كيف يُصْرَفُونَ عن الحقِّ مع وضوحِه، وَيَدَّعُونَ للواحدِ الأحدِ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، يَدَّعُونَ له الأولادَ فيقولونَ: عُزير ابنُ اللَّهِ، والمسيحُ ابنُ اللَّهِ؟ سبحانَه وتعالى عما يقولُ الظالمونَ عُلُوًّا كبيرًا.

ثم ذَكَرَ من معائبِهم وإجرامِهم بلايا أُخَرَ فقال: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة: آية 31] أي: وَاتَّخَذُوا المسيحَ بنَ مريمَ رَبًّا من دونِ اللَّهِ أيضًا. وهذه الآيةُ جاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه فَسَّرَهَا لِعَدِيِّ بنِ حاتمٍ (رضي الله عنه) لَمَّا سَأَلَهُ عنها، فقد أَخْرَجَ الترمذيُّ وغيرُه عن عديِّ بنِ حاتمٍ (رضي الله عنه) أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وفي عُنُقِهِ صليبٌ من ذَهَبٍ، فقال له صلى الله عليه وسلم: «اطْرَحْ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ» وَسَمِعَهُ يقرأُ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّنْ دُونِ اللَّهِ} - وكان عَدِيٌّ في الجاهليةِ نَصْرَانيًّا - فقال عَدِيٌّ: ما كُنَّا نعبدُهم من دونِ اللَّهِ. فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَلَمْ يُحِلُّوا لَكُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَيُحَرِّمُوا عَلَيْكُمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتَتَّبِعُوهُمْ؟» قال: بَلَى. قال: «ذَلِكَ عِبَادَتُهُمْ» (?). وهو معنَى اتخاذِهم أربابًا. وهذا التفسيرُ النبويُّ المقتضِي أن كُلَّ مَنْ يَتَّبِعُ مُشَرِّعًا فيما أَحَلَّ وَحَرَّمَ مُخَالِفًا لتشريعِ اللَّهِ أنه عابدٌ له، متخذُه رَبًّا، مُشْرِكٌ به، كافرٌ بالله هو تفسيرٌ صحيحٌ لا شَكَّ في صحتِه، والآياتُ القرآنيةُ الشاهدةُ لصحتِه لاَ تكادُ تُحْصِيهَا في المصحفِ الكريمِ، وَسَنُبَيِّنُ - إن شاء الله - طَرَفًا من ذلك:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015