دمائِهم وعدمِ قتلِهم. والمدافعةِ عنهم، وَمَنْعِ كُلِّ مَنْ أَرَادَ أن يظلمَهم، فهذا الإحسانُ يُجَازَوْنَهُ نوعًا من الجزاءِ عُبِّرَ عنه بالجزيةِ من (جزى يجزي) إذا كَافَأَ ما أُسْدِيَ إليه، تقولُ العربُ: أَحْسَنَ إِلَيَّ فَجَزَيْتُهُ، أي: كَافَأْتُهُ بما أَسْدَى، ومنه قولُ الشاعرِ (?):
يَجْزِيكَ أَوْ يُثْنِي عَلَيْكَ وَإِنَّ مَنْ ... أَثْنَى عَلَيْكَ بِمَا فَعَلْتَ كَمَنْ جَزَى
وقولُه في هذه الآيةِ الكريمةِ: {عَنْ يَدٍ} فيه أَوْجُهٌ من التفسيرِ معروفةٌ عندَ العلماءِ لاَ يُكَذِّبُ بعضُها بعضًا (?): قال بعضُ العلماءِ: {يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ}: أي: عَنْ قهر وتحتَ ذُلٍّ وكلِّ ما أعطاه الإنسانُ مقهورًا ذليلاً تقولُ العربُ: أَعْطَاهُ عَنْ يَدٍ. وقال بعضُ العلماءِ: يُعْطِيهِ عن يدٍ معناه: يُسَلِّمُهُ بيدِه ولاَ يُرْسِلُ به غيرَه، فالدافعُ واقفٌ والآخِذُ جالسٌ. وقال بعضُ العلماءِ: {عَنْ يَدٍ} أَيْ: نَقْدًا مُتسلمًا باليدِ لا نسيئةً. وقال بعضُ العلماءِ: {عَنْ يَدٍ} أي: عن اعترافِهم بنعمةِ المسلمينَ عليهم حيث قَبِلُوا منهم العوضَ ولم يقتلوهم. والحالُ في هذا {وَهُمْ صَاغِرُونَ} الصاغرونَ: المتصفونَ بالصَّغَارِ. والصَّغَارُ في لغةِ العربِ معناه: الذلُّ والحقارةُ والهوانُ. ومعنَى: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} أي: حَقِيرُونَ ذَلِيلُونَ. وَسَنُبَيِّنُ هنا - إن شاء الله - بعضَ أحكامِ الجزيةِ:
اعْلَمُوا أَوَّلاً أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ عليه القرآنُ بجوازِ أَخْذِ الجزيةِ من أهلِ الكتابِ، ولكنه (صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه) بَيَّنَ أنهم وإن أُخِذَتْ منهم الجزيةُ فلاَ يجوزُ بحالٍ من الأحوالِ ولاَ بِوَجْهٍ من الوجوهِ