قراءةِ {نَنْسَأها} (?) يعني: نُؤَخِّرُهَا؛ لأن اللَّهَ يؤخرُ بعضَ الآياتِ إلى أمدٍ معلومٍ، ثم يأتِي ببدلها، تارةً يأتِي ببدلِها ناسخًا، وتارةً تكونُ مُنسأة لا منسوخةً؛ لأنها كانت مَعْلُومًا أنها مُغَيَّاةٌ بغايةٍ. وإيضاحُ هذا: أن اللَّهَ أَنْزَلَ آياتٍ في أهلِ الكتابِ تَدُلُّ على عدمِ قتالِهم، كقولِه في سورةِ البقرةِ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِنْدِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة: آية 109]. {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} أي: عن أهلِ الكتابِ {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} أي: حتى يأتيَكم الأمرُ الأخيرُ من الله. وكانت هذه الآيةُ من سورةِ براءة فيها الأمرُ الذي كانوا ينتظرونَه في آيةِ البقرةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: آية 29].
لأن أهلَ الكتابِ من يهودٍ وَنَصَارَى وإن قالوا: لا إله إلا الله وأقروا بالقيامةِ فَهُمْ كَمَنْ أَنْكَرَ وجودَ اللَّهِ وأنكرَ وجودَ القيامةِ؛ لأنهم لَمَّا اتخذوا الأربابَ معه وَأَشْرَكُوا به في الأربابِ وقالوا: إن عُزيرًا ابنُه، وإن المسيحَ ابنُه!! هذا قولُ مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ولاَ باليومِ الآخِرِ؛ لأن الكافرَ إذا كَفَرَ بِاللَّهِ من وجهٍ لا ينفعُه الإيمانُ به من وجهٍ آخَرَ، فَمَنْ قال: لاَ إلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَادَّعَى لله ولدًا، أو شريكًا، أو رَبًّا معه، فهذا لا يؤمنُ بالله {وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ} وهو يومُ القيامةِ، {وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} بل يُحِلُّونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ ويحرمونَ ما أحلَّ الله، {وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ}، الذي هو دينُ الإسلامِ.