اللَّهِ حيث قَالَ: {وَمَا أُغْنِي عَنْكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: الآية 67] فالأخذُ بالأسبابِ لاَ ينافِي التوكلَ كما هو معروفٌ، وقد قال اللَّهُ لمريمَ: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: آية 25] ولا شَكَّ أنه لو أَرَادَ أن يتساقطَ عليها رُطَبُهَا من غيرِ سببٍ لَتَسَاقَطَ مِنْ غيرِ سببٍ، ولكنه أَجْرَى العادةَ بِأَنْ جَعَلَ للأرزاقِ والمعايشِ والأشياءِ أسبابًا، رَبَطَ بَيْنَ الأسبابِ ومسبباتِها بما شَاءَ بقدرتِه وحكمتِه:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِمَرْيَمَ ... وَهُزِّي إِلَيْكِ الْجِذْعَ يَسَّاقَطِ الرُّطَبُ ...

وَلَوْ شَاءَ أَنْ تَجْنِيهِ مِنْ غَيْرِ هَزِّهِ ... جَنَتْهُ وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ سَبَبُ (?)

فالأخذُ في الأسبابِ مع مراعاةِ الشرعِ، وتعلقُ القلبِ بِاللَّهِ، وَتَوَكُّلُهُ على اللَّهِ، هذه طريقةُ الأنبياءِ، وَاللَّهُ (جلَّ وعلا) يقولُ: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ} [المائدة: آية 3] يعنِي: أن مَنِ اضْطُرَّ إلى أَكْلِ الميتةِ أَكَلَ الميتةَ وتسبَّب في إمساكِ رمقِه بأكلِ الميتةِ، ولم يَقُلْ له فَانْتَظِرْ وَتَوَكَّلْ على اللَّهِ حتى ينزلَ لك رزقٌ من السماءِ!! لَمْ يَقُلْ هذا تعليمًا للناسِ بالأخذِ بالأسبابِ، وتعلق قلوبهم بربهم، وتوكلهم عليه. وهذا معنَى قولِه: {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} إن شاء أن يغنيَكم. فَعَلَّقَ الغِنَى بمشيئتِه، فَلاَ يكونُ شيءٌ إلا بمشيئتِه (جلَّ وعلا)؛ لأن الأرزاقَ مقسومةٌ بمشيئتِه (جلَّ وعلا)، فهو الذي تَوَلَّى قسمَها بنفسِه وَلَمْ يَكِلْهُ إلى أَحَدٍ، كما سيأتِي في سورةِ الزخرفِ في الكلامِ على قولِه: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015