ما كانوا يأتونَهم به من الطعامِ والأموالِ فَأَغْنَاهُمُ اللَّهُ بذلك (?). وهذا معنَى قولِه: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}.
قال بعضُ العلماءِ (?): يُؤْخَذُ من هذه الآيةِ الكريمةِ حُكْمٌ، وهو أن تعلقَ القلبِ بأسبابِ الرزقِ والمعيشةِ لاَ ينافِي التوكلَ ولا يقدحُ في توكلِ الإنسانِ؛ لأن هؤلاء القومَ لَمَّا تَخَيَّلَ لهم أن الطريقَ التي كانوا يعيشونَ منها أنها انْقَطَعَتْ بمنعِ المشركينَ من الحجِّ، وَخَافُوا الفقرَ من هذا الطريقِ ما عَنَّفَ اللَّهُ عليهم ولاَ عَابَهُمْ بل قَرَّرَهُمْ على ذلك، فقال لهم: إِنْ خِفْتُمُ الفقرَ من هذا الطريقِ، ومن أن السببَ الذي كُنْتُمْ تعيشونَ به أنه انقطعَ فسوفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ بأسبابٍ أُخَرَ. وهذا معنًى معروفٌ، أن الأسبابَ لاَ تُنَافِي التوكلَ، فالمسلمُ الذي يعلمُ ما جاءَ عن اللَّهِ يتسببُ ويتعاطَى جميعَ الأسبابِ لحياتِه، ويتسببُ فِي أسبابِ الرزقِ والمعيشةِ على الوجوهِ الشرعيةِ غيرِ الْمُزْرِيَةِ، ومع ذلك فهو مُتَوَكِّلٌ على اللَّهِ، والذي يتركُ جميعَ الأسبابِ ويقولُ: توكلتُ على الله!! هذا مُخَالِفٌ للشرع، مخالفٌ لِمَا جاء عن اللَّهِ، والذي يعتمدُ في كُلِّ شيءٍ على الأسبابِ ولا ينظرُ إلى رَبِّهِ هذا أيضًا ضَالٌّ مُضِلٌّ، والذي يستعملُ الأسبابَ كما شَرَعَهَا له رَبُّهُ، ويكونُ اعتمادُه في الحقيقةِ على رَبِّهِ فهذا هو المؤمنُ.
ألا تَرَوْنَ أن نَبِيَّ اللَّهِ يعقوبَ، وقد قال اللَّهُ فيه: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ} [يوسف: آية 68] عَلَّمَ أولادَه السببَ في التحرزِ عن العينِ فقال لهم: {يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ} فهذا تَسَبُّبٌ في التحرزِ عن العينِ؛ لأنها تَضُرُّ، ثم صَرَّحَ مع ذلك بتوكلِه الكاملِ على