هذا؟! شَبَّهْتَ العرشَ بالعراقِ، وربَّ السماواتِ والأرضِ ببشرِ بنِ مروانَ، وهذا يفتحُ بابًا إلى بحورٍ من أنواعِ التشبيهِ لاَ ساحلَ لها أبدًا؛ لأنه فيه تشبيهُ استيلاءِ اللَّهِ على عرشِه المزعومِ بكلِّ مخلوقٍ قَهَرَ مخلوقًا فَغَلَبَهُ فَاسْتَوْلَى عليه!! فَمِنْ هنا يُضْطَرُّ هذا القائلُ أن يقولَ: الاستيلاءُ الذي فَسَّرْتَ به الاستواءَ استيلاءٌ مُنَزَّهٌ عن استيلاءِ المخلوقينَ. ونحن نقولُ: كيف تُنَزِّهُهُ وأنتَ تضربُ له المثلَ باستيلاءِ بشرِ بنِ مروانَ؟ ثم نقولُ: إذا لَزِمَنَا أن نُنَزِّهَ أحدَ الكلمتين: إما الاستواء الذي نَصَّ اللَّهُ عليه في كتابِه وَأَنْزَلَهُ في سبعِ آياتٍ من القرآنِ كتابًا يُتْلَى أو الاستيلاء الذي جئتَ به، أيهما أَحَقُّ بالتنزيهِ؟ والجوابُ: ولا شكَّ أن كلامَ ربِّ العالمينَ الذي أَنْزَلَهُ وَحْيًا يُتْلَى من فوقِ سبعِ سماواتٍ أحقُّ بالتنزيهِ من غيرِه. فمقصودُنا أن نُبَيِّنَ لإخوانِنا أن المدارَ على حفظِ القلبِ والمحافظةِ عليه من أقذارِ التشبيهِ، وأن يعلمَ الإنسانُ أن كُلَّ وصفٍ وَصَفَ اللَّهُ به نفسَه فهو بالغٌ من غايةِ الجلالِ والكمالِ والإعظامِ والإكبارِ والتقديسِ ما يقطعُ جميعَ علائقِ أوهامِ المشابهةِ بينَه وبينَ صفاتِ المخلوقينَ؛ فَيُحْمَلُ على أطهرِ المعانِي وأعظمِها وأقدسِها وأليقِها بِاللَّهِ (جلَّ وعلا) وأبعدِها عن مشابهةِ صفاتِ المخلوقينَ.

ولو قال قائلٌ: نحن لا نعقلُ استواءً تُدْرِكُهُ عقولُنا إلا مثلَ استواءِ المخلوقينَ. فنقولُ له: وهل عقلتَ كيفيةَ الذاتِ المقدسةِ المتصفةِ بهذا الاستواءِ؟ فلا بد أن يقولَ: لاَ. فنقولُ: معرفةُ كيفيةِ الصفاتِ متوقفةٌ على معرفةِ كيفيةِ الذاتِ، وَاللَّهُ يقولُ: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: آية 110] والأشياءُ تختلفُ بإضافاتِها، فالصفةُ المضافةُ وَالْمُسْنَدَةُ إلى اللَّهِ تخالفُ المضافةَ والمسندةَ إلى غيرِه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015